الجمعة، 27 يناير 2017

الأرض الخراب


للشاعر ت.س إليوت



دفن الموتى



(الجزء الأول)



ترجمة عبد الهادي السايح






بأم عينيّ رأيتُ

كاهنة بلدة كوماي وقد أدلت رأسها في جرة

وعندما سألها الفتية

ماذا تريدين يا كاهنة

أجابتهم..
أريد أن أموت [1]
*
إلى عزرا باوند
الصانع الأحذق


دفن الموتى


أبريل أقسى الشهور،
ينبت
الليالك من الأرض الميتة،
يمزج
الشوق والذكرى
يحيي
الجذور الخاملة بطل الربيع.
أبقانا الشتاء دافئين،
غطى
الأديمَ بثلج النسيان،
غذى
شيئا من حياةٍ ببعض الجذوع اليابسة..
فاجأنا الصيف قادما عبر بحيرة ستان برجرسي بوابل من المطر [2]
وقفنا بين الأروقة
ثم مضينا تحت ضوء الشمس إلى حديقة هوفتجارتن الملكية [3]
حيث احتسينا القهوة وتحدثنا ساعة ً.
لا لست روسية، أنا من لتوانيا، أنا ألمانية أصيلة
عندما كنا صبيانا، ماكثين لدى الدوق،
قريبي، أخذني على متن زلاجة
تملكني الخوف فقال لي
مريم، مريم.. تمسكي جيدا
وانحدرنا بين الجبال،
هناك تحس بالحرية. [4]
أنا أقرأ أكثر الليل و أرحل جنوبا في الشتاء...

----
أي جذور تتشبث، أية أغصان تنمو
في هذا الخراب الصخري يا ابن الإنسان؟
لا تستطيع أن تجيب أو تخمن
فأنت لا تعرف سوى
كومةٍ من الصور المحطمة.
فيها تلفحك الشمس ولا تمنح الشجرة الميتة ملجئا
لا صوت الجندب راحة
و لا الصخر اليبَسُ خريرَ ماء.
لا يوجد غير الظل تحت هذه الصخرة الحمراء
هلم إلى ظل هذه الصخرة الحمراء
أرِكَ شيئا مختلفا عن ظلك
يهرول خلفك في الصباح
أو ظلك يتسامى ليلقاك في المساء
سأريك الخوف في حفنة من تراب..

تجر الريح غادية ً
ذيولا عذبة َ النشر ِ
هلمي غادتي الحسناءَ
نسري حيثما تسري [5]

- أعطيتني الزنابق العام الماضي، كانت أول مرة،
سموني فتاة الزنابق
- لكن عندما رجعنا، متأخرين من حديقة الزنبق،
ذراعاكِ مليئتان، وشعرك مُخضلّ
لم أستطع التحدث، خذلتني عيناي
لم أكن حيا ولا ميتا، لم أكن أعرف شيئا
كنت أنظر إلى قلب النور، الصمتِ
والبحر قفر موحش... [6]
*
السيدة سوسوستريس، عرافة مشهورة
أصابتها نوبة برد حادة..
هي، على كل حال،
أكثر نساء أوربا حكمة
ولها حزمة أوراق شريرة [7]
هاكَ،قالت لي، هي ذي ورقتك
البحار الفينيقي الغريق [8]
تلك اللآلئ التي كانت عينيه..انظر. [9]
وهذه بيلادونا سيدة الصخور
سيدة الأحوال
هاهو.. الرجل ذو الخشبات الثلاث..وها هو الدولاب [10]
وهنا التاجر الأعور [11]
أما هذه الورقة،
الفارغة، فهي شيء يحمله على ظهره
شيء غير مسموح لي أن أراه
لا أجد الرجل المشنوق. [12]
فلتحذر الموت غرقا.
أرى جموعا من الناس يطوفون في حلقة.
شكرا لك. إذا رأيت السيدة إكويتون أخبرها
أنني سأجلب خارطة الأبراج بنفسي
على المرء أن يكون حريصا هذه الأيام.
*
مدينة الوهم، [13]
تحت الضباب الأغبر ذاتَ فجر في الشتاء
تدفق حشد فوق جسر لندن، حشد غفير
ما خلت أن الرّدى طوى كل هؤلاء
عمّت الجمعَ
زفرات قصيرة مضطربة.
تدفقوا
،كلٌّ بعينيه مثبتتين أمام قدميه،
أعلى التلة ثم انحدروا إلى شارع الملك وليام
إلى حيث تحصي كنيسة القديسة ماري وولنوث الساعات
وتعلن نواقيسها، بصوت كظيم، آخر دقات الساعة التاسعة.
هناك رأيت أحدا أعرفه، استوقفته صارخا ’ستاتسن’
يا من كنت معي على متن السفن في ميلاي [14]
تلك الجثة التي غرستها في حديقتك العام الماضي
أأخذت في النماء
أم أزعج الصقيع الطارئ مخدعها..
آه..أبق الكلب بعيدا، فهو صديق الإنسان
وإلا نبش عنها بمخالبه مرة أخرى.
أيها القارئ المنافق، يا شبيهي، يا أخي [15]

* *

الهوامش

الثلاثاء، 24 يناير 2017

الأرض الخراب

للشاعر ت س إليوت

لعبة شطرنج 


( الجزء الثاني)


ترجمة عبد الهادي السايح



كان الكرسي الذي جلستْ عليه، كالعرش المنمق * [1]
ينعكس ألقه على المرمر
حيث المرآة، تحملها أعمدة نقشت فيها كروم تتدلى عناقيدها
أطل منها ملاك ذهبي [2]
وآخرُ حجب عينيه بجناحه..
ضاعفت المرآة شُعَل
الشمعدان ذي الأغصان السبعة
انصب النور منها على المائدة
فتسامى بريق حليها ليلقاه
تسامى منسكبا من حقائب الحرير
وافرَ الألق وثيرَ الاندفاق...
من قواريرَ عاجيةٍ وزجاجيةٍ ملونة فاغرةِ الأفواه
فاحت عطورها الممزوجة
مرهمية ً، مسحوقة ً، سائلة ً، مضطربة ً ... حائرة
تـُغرق الحواس في الروائح، ينشرها الهواءُ
إذ يهب عليلا من النافذة.
تصاعدتْ
تنفخ شعلَ الشموع المتطاولة
قذفت بدخانها إلى السقف الخشبي
باعثة الحياة في أشكاله المنحوتة:
أعشاب بحرية ضخمة مشبعة بالنحاس
المصهور أخضرَ وبرتقالياً .. يحفه حجر ملون
وفي ذلك النور التعس يسبح دلفين منحوت.
وفوق الرف العتيق على المدفأة ..
، وكأن نافذة أشرعت على منظر في الغابة، كان مشهد
اغتصاب الملك البربري فيلوميلا [3]
بكل فظاظته.
وحتى هناك ملأ البلبل الصحراء بصوت لا ينتهك ...
و بكت وبكت
ويتابع العالم، لا يزال،
" زق زق " لآذان قذرة.
حكت الجدران
أشكالا خشبية أخرى من الزمن،
أشكالا ذاوية،
تحدق، تبرز عن محيطها،
تميل
تطبق الصمتَ على الغرفة.
تـَردّدَ صدى خطى متثاقلة على السلم.
تحت وهج الموقد، تحت ملمس المشط
تطايرت خصلات شعرها
حبيباتِ سنا
توهجت كالكلمات
ثم غرقت في سكون موحش.

*

أعصابي ليست على ما يرام الليلة، نعم ليست على ما يرام
ابق معي. حدثني، لمَ لا تتكلم أبدا. تكلم
ما الذي تفكر فيه، فيمَ تفكر؟ فيم؟
لا أدري ما الذي تفكر فيه أبدا، فكـِّر


أظن أننا في زقاق الجرذان
أين فقد الموتى عظامهم.

ما هذه الضجة؟
نواح الريح تحت الباب
ما هذه الضجة الآن؟ ماذا تفعل الريح ؟
لا شيء، مرة أخرى، لا شيء.
ألا..
تعلم شيئا، ألا ترى شيئا، ألا تذكر شيئا؟؟؟
أذكرُ
هذه اللآلئ التي كانت عينيه.
أأنت حي أم لا؟..
ألا شيء في خلدك؟
سوى...
آه تلك المعزوفة الشيكسبيرية الحديثة
أنيقة جدا
ذكية جدا
ماذا أفعل الآن؟ ماذا أفعل
سأُهرع خارجا في هيئتي هذه، أمشي في الشارع


وشعري مسدول إذن. ماذا نفعل غدا؟
ماذا نفعل سائرَ الأبد؟

حمام ساخن في العاشرة
وإذا أمطرت، سيارة مغلقة في الرابعة
سنلعب الشطرنج
نغمض أعينا بلا أجفان
وننتظر دقة على الباب.

*

عندما سُرِّح زوج ليل من الجيش، قلتُ لها
لم أداهنها، قلت لها بنفسي
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_
آلبرت عائد، تزيني قليلا
سيود أن يعرف ماذا فعلت بالنقود التي أعطاك إياها
لترّكبي طقم أسنان.
قد فعل والله، كنتُ هناك
قال لك "اقلعيها كلها يا ليل واتخذي طقما حسنا
فأنا لا أحتمل النظر إليك، أقسم على ذلك."
قلتُ، ولا أنا أستطيع،
فكري في آلبرت المسكين
قد قضى أربع سنوات في الجيش ويريد أن يستمتع بوقته
إن لم تسعديه، أخريات سيسعدنه قلتُ لها.


أخريات؟ أحقا؟
لربما .. قلتُ
عندها سأعرف من أشكر، قالت لي، وحدجتني بنظرة صريحة
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_
قلت ُ، إن لم يعجبك الأمر فسايريه،
آخرون يستطيعون الانتقاء والاختيار إن لم تستطيعي
إن غادرك ألبرت، فلسببٍ معلوم
حُقّ لك أن تخجلي من نفسك أنّك تبدين عتيقة هكذا
(ولمّا تعدُ الواحدة والثلاثين)

ليس في وُسعي شيء.. قالت.. وأطلت بوجه كئيب
إنها الحبوب التي تناولتها
لإسقاط الجنين
(لديها خمسة أطفال وكادت أن تموت لدى ولادتها جورج)
قال الصيدلي إنني سأكون بخير، لكنني ما عدتُ نفسي.
قلتُ، إنك حمقاء
إن لم يشأ آلبرت أن يتركك وشأنك، فكذلك ذلك...
لمَ تتزوجين إن لم تريدي أطفالا؟
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_
ذاك الأحد عاد آلبرت، أعدا حساء
ودعياني إلى العشاء لتناوله ساخنا
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا
عمتَ مساءً يا بل، عمتِ مساءً لُو. عمتِ مساء ماي.
عمت مساء تاتا.
عمتم مساء. عمتم مساء.
عمتن مساء سيداتي. سيداتي الحسناوات. عمتن مساء [4]



* *



الهوامش



الأحد، 22 يناير 2017

اﻷرض الخراب



للشاعر ت س إليوت

موعظة اللهب

(الجزء الثالث)


ترجمها عبد الهادي السايح


لقد تداعت خيمة النهر *

تتشبث الأوراق بأطراف أصابعها الأخيرة

ثم تغرق في ثرى الضفة الندي

تعبر الريحُ الأرضَ الغبراء في صمت

قد رحلت الحوريات

فانسب، يا نهر التايمز العذب، حتى أكمل أغنيتي [1]

النهر لا يحمل

القوارير الفارغة، ولا أوراق الشطائر أو مناديل الحرير،

لا يحمل علب الورق أو أعقاب السجائر

أو شيئا من آثار ليالي الصيف. قد رحلت الحوريات،

رحل أصدقاؤهن، وبقية باقية تلكأت من أعيان المدينة

رحلوا..

دون أن يتركوا عنوانا.

وجلست على ضفة بحيرة ليمان أبكي

انسب أيها النهر العذب حتى أكمل أغنيتي

انسب فلن أطيل الكلام، و لن أحدثك إلا همسا

تهب الريح خلفي

و في عصفةٍ باردة

تحمل إلى أذني قعقعة العظام، وضحكة خافتة تتردد في الأرجاء.



تسلل جرذ بين الأعشاب

ساحبا بطنه اللزج على ثرى الضفة

بينما كنت أصطاد في مياه القناة الراكدة

ذات مساء شتوي خلف معمل الغاز

متأملا... حطام سفينة أخي الملك

ومصرع أبي الملك من قبله..



..أجساد بيضاءُ عارية تفترش الأرض الرطبة

وعظام ملقاة في حجيرة العلية الجافة

لا تقعقع إلا لدى مرور الجرذ بقوائمه عليها،

عاما بعد عام.

وخلفي أسمع بين الحين و الحين [2]

أصوات الأبواق والمحركات

التي ستجلب سويتني إلى السيدة بوتر في الربيع. [3]

غمر القمر بإشراقته الساطعة

السيدة بوتر و ابنتها

وهما تغسلان رجليهما في ماء الصودا [4]

وهذه الأصوات أصوات الأطفال التي تصدح في القبة


توت توت توت

زق زق زق

بكل فظاعته

تيريو



مدينة الوهم،

تحت الضباب الأغبر ذات ظهيرة في الشتاء

دعاني

السيد يوجونيد، التاجر الإزميري

، اللحية طليقة والجيب مليء بالزبيب

والوثائق اللازمة في يده،

دعاني

برطانة فرنسية إلى الغذاء في فندق شارع كانون

وإلى قضاء نهاية الأسبوع معه في الحاضرة



في الساعة البنفسجية، عندما تتملص الأعين و الظهر من المكتب

عندما

تنتظر الآلة الآدمية

كسيارة الأجرة تخفق منتظرةً

أنا، تيريزياس، على الرغم من أنني أعمى

أضطرب بين حياتين،

أنا.. الرجل العجوز بنهدين متجعدين، أستطيع أن أرى في الساعة البنفسجية

ساعة المساء التي تكدح آئبة إلى المنزل،

التي تعيد الملاّح إلى بيته

والراقنة إلى دارها وقتَ تناول الشاي

تنظف بقايا فطورها الصباحي، تشعل الموقد

و تضع على المائدة طعاما معبأ في علب القصدير.

وعلى الحبل خارج النافذة انتشرت ملابسها بلا وجل

لتجفف لمسات أشعة الشمس الغاربة بللها.

وعلى الأريكة – و هي سريرها في الليل-

أكوامُ الجوارب و الخفاف و القمصان، و الألبسة النسوية

وأنا، تيريزياس، العجوز بنهدين متجعدين

أدركتُ القصة وتنبأت بالباقي.

كانت تترقب، وكنتُ أترقب أيضا، الضيفَ الموعود.

وها هو، ها قد وصل الشاب ذو القروح

مجرد موظف عند وكيل عقاري صغير، وله نظرة وقحة

أحد السفهاء ممن تكللهم الثقة

تكليل قبعةٍ حريريةٍ رأسَ مليونير من مدينة برادفورد

الوقت مناسب الآن في اعتقاده

فقد فرغا من الطعام وهي تعِبة يرهقها الضجر

يحاول ملاطفتها بلمسات لا تأباها إن لم ترضها

يهجم، وقد احمر وجهه واستقر قراره، مرة واحدة

بيدين تستكشفان فلا تلقيان دفاعا

لا يقتضي غروره تفاعلا

فالترحيب و التجاهل عنده سواء.


وأنا، تيريزياس عانيت، تنبأتُ بكل ما جرى على تلك الأريكة

أو السرير قبل حدوثه

أنا.. الذي جلستُ تحت أسوار مدينة طيبة

ومشيت بين أسفل السافلين في عالم الموتى



يمنحها قبلةَ متفضلٍ قبل أن ينصرف

متلمسا طريقه أسفل السلم في الظلام

تلتفت فتنظر إلى نفسها لحظةً في المرآة

وهي لا تكاد تشعر برحيل عشيقها

يدع ذهنها فكرة نصفَ مكتملة تمضي في سبيلها

" انتهى الأمر وأنا سعيدة أنه انتهى."

عندما تقع امرأة حسناءُ في الحماقة

ثم تخلو إلى نفسها فتتمشى وحيدة في غرفتها

تمسح على شعرها بحركة آلية

وتضع أسطوانة في الحاكي.



انساب ذاك اللحن فوق الماء، قربي

وعلى طول مجراه إلى شارع الملكة فكتوريا.

أيتها المدينة، أيتها المدينة

أحيانا أسمع، قرب حانة في شارع التايمز الأدنى

نحيبا دافئا لآلة المندولين

وقرعا وثرثرة في الداخل

حيث يتسكع الصيادون في الظهيرة،

حيث تحفظ جدران كنيسة الشهيد ماغنوس

سناءَ الذهب والبياض الأيوني المحيّر [5]



يعرقُ النهر زيتا و قارا. [6]

تنسابُ السفنُ والمدَّ المنسابَ

باتجاه الريح،

تنشّر أشرعتها حمراءَ عريضة

ترفرف على الصاري.

تكنس البوارجُ

الأخشابَ المنجرفة مع التيار

نحو شطآن غرينيتش

خلف جزيرة الكلاب

فويلا ويلا ويلا

ويلا ويلا ويلا

إليزابيث وليسستر

يجدفان في القارب

والكوثلُ محارة مذهّبة،

تختلط فيها الحمرة بلون الذهب

تموجات الماء الرشيقة تجتاح الشاطئين

رياحُ الجنوب

تحمل

إلى أسفل الجدول

رنين نواقيس

الأبراج البيضاء

فويلا ويلا ويلا

ويلا ويلا ويلا


حافلات وأشجار مغبرّة

هابري شهدت مولدي و أضاعتني ريشموند

وكيو،

قرب ريتشموند رفعت ركبتي

مستلقية على سطح قارب صغير

قدماي عند بوابة مور وقلبي تحت قدميّ

بكى بعد الحادث

ووعدني ببداية جديدة

لم أحر جوابا. ما الذي يمكن أن أستنكره؟

على رمال مارجيت

لا تستطيع أن تربط شيئا بشيء.

الأظافر المتكسرة في الأيدي المتسخة.

شعبي المتواضع، شعبي الذي لا يتوقع

شيئا..



ثم قدِمتُ إلى قرطاجة [7]




وهي تحترق و تحترق و تحترق

يا إلهي نجني منها

نجني يا إلهي




إنها تحترق




* * *
الهوامش

الأربعاء، 11 يناير 2017

ألفرد تنيسون، انكسر و انكسر و انكسر




انكسر و انكسر و انكسر
أيهذا البحر
على صخورك الشهباء الباردة
ليت لساني يسطيع مثلك أن يبسط
ما يجيش به فؤادي من فِكَر

طوبى لابن الصياد 
يلعب مع أُخيّته وقد تعالى صياحهما
واها لابن النوتي
يغني في قاربه الراسي بالخليج

تعبر السفن الجليلة
إلى مرفئها تحت التلة
آه ..لولا لمسة تلاشت .. ليد غائبة
و نغمة صوت قد صمت إلى اﻷبد

فانكسر و انكسر و انكسر
على أقدام صخورك المتكسرة أيهذا البحر
فما ناعم الهناء ليوم مضىى و تولى
بعائد إليَّ يوما


الخميس، 5 يناير 2017

مقتطف من لعبة شطرنج، قصيدة اﻷرض الخراب لإليوت




كان الكرسي الذي جلستْ عليه، كالعرش المنمق 

ينعكس ألقه على المرمر

حيث المرآة، تحملها أعمدة نقشت فيها 

كروم تتدلى عناقيدها

أطل منها ملاك ذهبي 

وآخرُ حجب عينيه بجناحه..

ضاعفت المرآة شُعَل

الشمعدان ذي الأغصان السبعة

انصب النور منها على المائدة

فتسامى بريق حليها ليلقاه

تسامى منسكبا من حقائب الحرير

وافرَ الألق وثيرَ الاندفاق...

من قواريرَ عاجيةٍ وزجاجيةٍ ملونة فاغرةِ الأفواه

فاحت عطورها الممزوجة

مرهمية ً، مسحوقة ً، سائلة ً، مضطربة ً ... حائرة

تـُغرق الحواس في الروائح، ينشرها الهواءُ

إذ يهب عليلا من النافذة.

تصاعدتْ

تنفخ شعلَ الشموع المتطاولة

قذفت بدخانها إلى السقف الخشبي

باعثة الحياة في أشكاله المنحوتة:

أعشاب بحرية ضخمة مشبعة بالنحاس

المصهور أخضرَ وبرتقالياً .. يحفه حجر ملون

وفي ذلك النور التعس يسبح دلفين منحوت.

وفوق الرف العتيق على المدفأة ..

، وكأن نافذة أشرعت على منظر في الغابة، كان مشهد

اغتصاب الملك البربري فيلوميلا 

بكل فظاظته.

وحتى هناك ملأ البلبل الصحراء بصوت لا ينتهك ...

و..بكت وبكت

ويتابع العالم، لا يزال،

" زق زق " لآذان قذرة.

حكت الجدران

أشكالا خشبية أخرى من الزمن،

أشكالا ذاوية،

تحدق، تبرز عن محيطها،

تميل

تطبق الصمتَ على الغرفة.

تـَردّدَ صدى خطى متثاقلة على السلم.

تحت وهج الموقد، تحت ملمس المشط

تطايرت خصلات شعرها

حبيباتِ سنا

توهجت كالكلمات

ثم غرقت في سكون موحش.

*