الأحد، 20 أكتوبر 2019

النفي في اللهجات العربية الوسيطة ج2: لهجة الهلاليين و عرب المشرق


أكثر ما استخدم الهلاليون في كلامهم (ما) النافية:

قعدنا سبَعْ أيّامِ محبوسِ نَجعَنا
و البدوِ ما ترفَع عمودًا يقيلها.


و اليوم ما بيها سوى البوم حولها..

أما تعلمْ أنّهْ قامها بعد ما لقى ..


و استخدموا لم:

لم أرى .. من الخلق أبهى من نظام ابتسامها


كما استخدموا ليس و هي قليلة في كلامهم:

يظن ظنونا ليس نحن من اهلها ..


***

عودة إلى النفي بما و بإلحاق الشين بآخر الكلمة..

إن لم تكن هذه الصيغة سائدة في الغرب الإسلامي

و لم تكن شائعة في كلام الهلاليين الذي نقله ابن خلدون

فمن أين جاءت؟

و لم هي اليوم مستخدمة في أكثر البلاد العربية.. العراق و الشام و فلسطين و مصر و المغرب العربي و بعض أنحاء اليمن؟

يقال: مالوش فايدة

و ما فيهشْ فايدة لنفس المعنى في المغرب العربي

ما يسمعشْ و كذلك ما يسمعْ شِي.


و تخلو اللهجة الحسانية و معظم اللهجات الخليجية المعاصرة من هذه الصيغة.

*

عثرت على مثالين لها من اللهجات العربية الوسيطة

أحدهما من مرويّات بني هلال في مقدمة ابن خلدون على لسان الأمير شكر كما أسلفنا:

تبَدّى ماضِي الجبّار و قال لي .. أشكرٌ ما نَحّنا عليكْ رضاشْ

و في مربّع مواليا يرويه ابن سعيد الأندلسي لشاعر عراقي أو شاعرة عراقية:

حتى يعود قضا وانظر كذا لاموش

كم قلت والقلب منّى بالهوى منهوش

مع غيركم قطّ قلبى يا على مالوش

..

و حتى في المرويات المشرقية التي نقلها ابن سعيد لم ترد هذه الصيغة سوى مرة واحدة..
فمن الواضح أن الشاعر الهلالي كان يحاكي لهجة ما منتشرة بين بعض العربان في الشرق و ربما في الغرب أيضا.. لكنها لم تكن عامة حينئذٍ.

إن نحن تتبعنا مكان تواجد هذا التعبير (ما+كلمة+ش) العراق، الشام و منها فلسطين ثم مصر ثم المغرب العربي .. نجد أنه مطابق لمسار الشعوب العربية المهاجرة هلال و سليم و غيرها من القبائل التي صاحبتها و من المعقول أن نفترض أن بعض هذه القبائل كانت وراء انتشار الظاهرة.. فإن أخذنا في الحسبان أن تلك الشعوب و القبائل غادرت نجدا و الحجاز و هي فصيحة و أن صيغة النفي تلك غير موجودة اليوم في مواطنها سابقا.. فمن المعقول أيضا أن نفترض أن هذه الصيغة ربما تكون ظهرت عند بعضهم حين تواجدهم ببوادي الشام أو العراق.. طبعا تبقى مسائل عالقة منها خلو ما سجله ابن خلدون من أشعارهم من هذه الصيغة عدا البيت الذي أوردته و هم يسوقونه على لسان غيرهم .. لكن النصوص التي يوردها ابن خلدون تكاد تكون كلها للقبائل الزغبية و يقول إن كثيرا من القبائل العربية تستهجن ذاك اللون من الشعر و لا تستحسنه و يذكر فيمن يذكر بني سليم وهم أكبر الشعوب المهاجرة .. فالأكيد إن صح الافتراض أن هذه الصيغة لم تكن شائعة لدى كل القبائل لكن لدى بعضها و هو ما يدعمه أيضا خلو اللهجة الحسانية منها.. كما يدل هذا اﻷمر على اختلاف ولو طفيف بين لهجات القبائل العربية المهاجرة إلى الغرب.


و لا شك أن القبائل العربية هاجرت إلى المغرب في موجات امتدت لقرون من الزمن، كل موجة تأتي بمستجد و ترسخ ظاهرة لغوية أو تحمل موروثا شعريا
من مواطنهم الأولى .. وقد شكلت تلك القبائل امتدادا من المشرق إلى المغرب واحد اللهجة و الثقافة و الهوى
و لهجتهم البدوية تلك لا ريب نشأت بعد الهجرة و انتقلت كما انتقلوا من المشرق إلى المغرب بالتدرج

فما يرويه ابن خلدون للعرب المهاجرة في أول عهدها بإفريقية يرجّح أنهم كانوا فصحاء يستخدمون الإعراب في كلامهم:

لعلي بن رزق الرياحي:

لقد زار وهناً من أميمَ خيالُ
وايدي المطايا بالزميل عجالُ

وإن ابن باديسٍ لأفضلُ مالكٍ
لعمري، ولكن ما لديه رجالُ

ثلاثون ألفاً منهمُ هزمَتْهمُ
ثلاثة آلاف وذاك ضلال

أو ربما كان أكثر كلامهم حينئذ معربا مع الميل إلى الوقوف على الساكن ثم تدرج الأمر ليصير أكثر كلامهم وقوفا على الساكن كما ذكر ابن خلدون و أقله المُعرَب.

و ما نصادف من مشترك بالمقارنة بين النصوص الهلالية بعد زمن الهجرة و اﻷشعار البدوية النجدية في القرون اللاحقة يدفعنا إلى الاستنتاج أنها لهجة واحدة مع بعض الاختلافات الطفيفة.


يتبع بالجزء الثالث: أصل النفي بما و إلحاق الشين بآخر الكلم

للاطلاع على الجزء الأول: النفي في لهجة اﻷندلسيين و عرب الفتح

الخميس، 26 سبتمبر 2019

السبت، 21 سبتمبر 2019

أغنيات المطر

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019

النفي في اللهجات العربية الوسيطة: ج1 اللهجة الأندلسية و لهجات عرب الفتح



صادفت مقالا لأحد الإخوة الخليجيين في نقد بعض المقطوعات الشعرية الهلالية التي أوردها ابن خلدون في المقدمة، المقطوعة حظيت باهتمامي بسبب بعض العبارات التي لا تزال مستخدمة في لهجات المغرب العربي ..
لكنها لم تكن وحدها ما حظي باهتمامي
فالكاتب الخليجي صنف الأشعار الهلالية في المقدمة إلى أصناف ثلاثة .. أشعار قيلت في المشرق يعدها نبطية، أخرى قيلت في المغرب يقول إن لهجتها بادية التأثر بكلام أهل الغرب، و أخرى منحولة ..
و لا أشاء أن أعلق على هذا التقسيم فهو ليس موضوعنا، ما يهمني هي المعايير التي اعتمد عليها في هذا التقسيم ..

في نقده لمطلع الأبيات التي يرويها الهلاليون على لسان الأمير شكر:

تبّدى ماضي الجبّار و قال لي.. أشكرٌ ما نِحّنا عليكْ رضاشْ

يصرف الأبيات بأنها منحولة وليست من شعر النجديين بأمارة إلحاق الشين بالاسم المنفي.. و هي ، يضيف الكاتب معلقا، لهجة مغاربية.

هي ليست كذلك، أو على الأقل لم تكن يومها.. و سأبيّن ذلك ببعض الأمثلة لاحقا.


كما إنه من الواضح من كلام ابن خلدون أن الأبيات يضعها الهلاليون على لسانه، و ما زعم ابن خلدون و لازعموا من من الأساس أنها لشكر.

المسألة المثيرة التي نتناولها هنا .. إن كان الهلاليون وضعوا عبارة " أشكرٌ ما نِحّنا عليكْ رضاشْ" على لسان الأمير النجدي افتراضا  وهذه الصيغة من النفي لم ترد في كلام الهلاليين مطلقا عدا في هذا الموضع، كما أن "نحنا" لم ترد أيضا في غير هذه الأبيات .. و لم يكن هذا من كلام عرب الفتح و أهل الأندلس فنفترض بداية التأثر بلهجتهم.. فأي لهجة كانت هذه إذن؟ و هل حاكى قائل الأبيات لهجة ما كانت معروفة عندهم أو كانوا على عهد قريب بأهلها؟


النفي في لهجة عرب الفتح و اللهجة الأندلسية

كانوا أكثر ما يستخدون ليس و كذلك لَسْ في الأندلس
و لا للنفي.
من زجل  لابن شجاع التازي:
حتَّى يَلتَجِي مَنْ هُوْ فِ قَومُوْ كَبيــر
لِمنْ لا أَصْلْ عِنْدو وَلا لُوْ خَطَـرْ

..و من زجل لابن قزمان:
لسْ لو فايدة
و في زجل آخر له: لَسَّ الاوساط بحال* الاطراف
بالشدة على السين

و انفرد الأندلسيون ببعض الألفاظ مثل: لَسَّنْهُ  و لَسَّنهي.. الخ ليس و ليستْ..

ومن زجل ينسب لأبي مدين شعيب الإشبيلي كما ينسب لتلميذه الششتري، و كلاهما أندلسي النشأة:

مَنْ نَعشَقُو ما لي سِواهْ .. و لا نَمَلُّو
و لا نزالْ نَتْبعْ رِضاهْ .. الدهرَ كُلُّو

أما ما فهي عموما تأتي مصاحبة للشرط، و قد وردت في المثال السابق و لو أن أكثر ما وقفت هليه ميتخدما لمثل ذلك السياق  (لا .. ولا )


و للحديث بقية إن شاء الله..

يتبع بالجزء الثاني: النفي في لهجة الهلاليين و عرب المشرق

* مثل

الأحد، 5 مايو 2019

الضياع و التودير

المعنى اﻷصلي للضياع هو الهلاك
و أضاع الشيء أو المال و ضيّعه أهمله و غفل عنه حتى هلك و تلف.
ثم توسع معناه إلى الإهمال و الفقد و فوات الاستفادة من الشيء و الانتفاع به و هو عكس الحفظ. من أمثلة ذلك

قول الشاعر:
"فمـسـتـودَع ضـاع الـــذي كـــان عـــنـــده
ومـسـتـودع مــا عـــنـــده غـــيرُ ضـــائع" *

اﻷول وديعته مفقودة لم يحافظ عليها، و الآخر وديعته مصونة محفوظة.

*شرح نهج البلاغة لابي أبي الحديد


و جاء على لسان أحد الأعيان: " وما ذل من كنت ناصره، ولا ضاع من كنت حافظه" *

أي لا يزال آمنا محميّا ما دامت رعايتُك تشمله و حفظُك.

* العقد الفريد لابن عبد ربه.

و قال أحد الشعراء: "ومـا ضـاع مـعـروف يكـافـئه شـكـر" *

أي لم يذهب سدى

* اﻷمالي لأبي علي القالي.

* * *


و ضاع بمعناه اﻷصلي أي هلك لا يزال هو السائد في كثير من اللهجات العربية يقال ضاع من الجوع أي هلك أو أشرف على الهلاك، وضاع الولد أي فسد و سار إلى الهلاك.

و من أمثلة ذلك في النصوص:

ما ورد في روايات قتل كعب بن اﻷشرف:

"كان قدوم هذا الرجل بلاءً علينا عادتنا العرب ورمونا عن قوسٍ واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس"
تاريخ الرسل والملوك للطبري

"فقالت: أمّهنّ: هلك رجالنا، وإذا هلك الرجال ضاع النساء"
تاريخ الرسل والملوك للطبري

لأسد بن كرز:

فمَنْ جارُ مولى يدفع الضـيمَ جـارُه
إذا ضاع جاري يا أميمة أو دَمِـي
اﻷغاني لأبي الفرج اﻷصفهاني

ما يلحظ في اﻷمثلة السابقة أن ضاع أكثرَ ما تستخدم لا بمعنى هلك لكن اقترب من الهلاك لسبب انعدام أسباب الرعاية و الحفظ.

ضاع تستخدم أيضا بمعنى ضلّ و تاه و هذا صحيح فصيح:
"ضَلَّ الشيءُ إِذا ضاع، وضَلَّ عن الطريق إِذا جار".

* * *

أما معنى الفقد فيستخدم له البعض لفظة " ودّر"
و معناها اﻷصلي أيضا أهلك
ودَّره أي ورّطه و أغواه حتى أوقعه في مهلكة فتوَدّر
و ودّر ماله بذّره و بدَّده فأضاعه
و نحّى شرا أو شيئا سلبيا و أبعده من أمامه: ودِّر وجهك عني
أي ابتعد و اغرب عن وجهي.


و قد استخدمت الكلمة بمعنى التفويت و الفقد منذ القدم.
جاء في كتاب الآمل و المأمول للجاحظ:

"وفي عهود بعض القضاة: وأمره أن يتجنب خصلتين هما آفتا القضاء وسبب تودير الحقوق: العجلة قبل إثبات الحجة، والانتظار بالفصل بعد وضوح الدلالة وقيام البينة"

فتودير الحقوق لا يفهم منها إهلاك أو تبذير أو تنحية الحقوق، لكن إضاعتها و تفويتها على أصحابها و هو مالم يرد في المعاجم العربية القديمة.

و من كتاب ألف ليلة و ليلة:
"يا ولدي هان عليكَ تودير روحي و مالي"

السبت، 20 أبريل 2019

(بهدل) 
كلمة لم يستخدمها القدماء و لا سجلت في المعاجم القديمة * بالمعنى المستخدم اليوم
لكنها شائعة في معظم اللهجات العربية شرقا و غربا.. بنفس المعنى تقريبا
بهدله
أي حقّره، أمعن في الحطّ من شأنه و فضحه
و في لغة الكتابة المعاصرة
تقرأ مثلا:
إجراء لا يعدو كونه "بهدلة" و تحقيرا
الفريق الفلاني " يبهدل" خصمه
..
تتضمن الكلمة معنى رثاثة الثياب اتساخها و عدم انسجامها عند بعض العرب أو عند أكثرهم، يقال فلان مبهدل/ يبهدل أي إن هيئته مزرية أو غير محترمة.
و على رأي المثل العامي: الفقر حِشمة و العزّ بهدلة
بمعنى أن الفقر سِتر و الغنى فضيحة.
و ربما كان هذا المعنى هو الأصلي.
..


الخميس، 28 مارس 2019

ليلان و صبح عاشق


تختنق الهمسات في هدأة الليل،
أهذي قليلا 
منتظرا تنفس صبح 
ينفض قسمات الظلام من و جنتيه..

*

تحدثني الصفحة البيضاء...
أن حروفي كأطلال الغيم تحت لجة السماء 
 تبعثرها أنفاس الصباح العاطرة
فتنسى شمس الضحى رسمها ..
أنا لما رأيت الصبح يأتي طربا 
أردت التحامل على صبرك بتحية من شذاه
*

الاثنين، 11 مارس 2019

شرح قصيدة اﻷعشى: تصابيت أم بانت بعقلك زينب





تَصَابَيتَ أمْ بانَتْ بعَقْلِكَ زَيْنَبُ،
وقدْ جعلَ الودُّ الذي كانَ يذهبُ


وشاقتكَ أظغانٌ لزينبَ غدوة ً، 
تحَمّلنَ حتى كادَتِ الشمسُ تَغرُبُ


فَلَمّا استَقَلّتْ قلتُ نخلَ ابنِ يامِنٍ 
أهُنّ أمِ اللاّتي تُرَبِّتُ يَتْرَبُ

طَرِيقٌ وَجَبّارٌ رِوَاءٌ أُصُولُهُ،
عليهِ أبابيلٌ منَ الطّيرِ تنعبُ

علونَ بأنماطٍ عتاقٍ وعقمهٍ،
جَوَانِبُهَا لَوْنَانِ وَرْدٌ وَمُشْرَبُ

                                                    * *

يقول: إحساسك بهوى زينب أهو تصابٍ و انجذاب عابر أم حقا ذهبت بعقلك زينب فأحببتها ووقغت في غرامها.
أطربك مرأى الهوادج و القافلة تحمل أهل زينب و متاعهم بالعشي يحثون السير حتى مالت الشمس إلى المغيب.

شبهتهم لما بعدوا و نأوا بنخيل ابن يامن الشامخات (ملاح عربي مشهور) - أم هي صغارها؟ أتساءل -
يتراءى في المدى البعيد .. يصغر و يتضاءل كلما ازدادت تنائيا و بعدا،

تحوم حول تلك النخل العظام التي يروي الماء الوفير جذورها أسراب من الطير ناعبة.

مطروح على الهوادج ثياب من الصوف الملونة (أنماط) رُسم عليها زخارف من الوشي (عقمة) بلونين ورديّ و أبيض مختلط و مشرب بحُمرة


* الطريق و الجبار: النخيل الطويلات

الأحد، 27 يناير 2019

الجازية