الأحد، 5 مايو 2019

الضياع و التودير

المعنى اﻷصلي للضياع هو الهلاك
و أضاع الشيء أو المال و ضيّعه أهمله و غفل عنه حتى هلك و تلف.
ثم توسع معناه إلى الإهمال و الفقد و فوات الاستفادة من الشيء و الانتفاع به و هو عكس الحفظ. من أمثلة ذلك

قول الشاعر:
"فمـسـتـودَع ضـاع الـــذي كـــان عـــنـــده
ومـسـتـودع مــا عـــنـــده غـــيرُ ضـــائع" *

اﻷول وديعته مفقودة لم يحافظ عليها، و الآخر وديعته مصونة محفوظة.

*شرح نهج البلاغة لابي أبي الحديد


و جاء على لسان أحد الأعيان: " وما ذل من كنت ناصره، ولا ضاع من كنت حافظه" *

أي لا يزال آمنا محميّا ما دامت رعايتُك تشمله و حفظُك.

* العقد الفريد لابن عبد ربه.

و قال أحد الشعراء: "ومـا ضـاع مـعـروف يكـافـئه شـكـر" *

أي لم يذهب سدى

* اﻷمالي لأبي علي القالي.

* * *


و ضاع بمعناه اﻷصلي أي هلك لا يزال هو السائد في كثير من اللهجات العربية يقال ضاع من الجوع أي هلك أو أشرف على الهلاك، وضاع الولد أي فسد و سار إلى الهلاك.

و من أمثلة ذلك في النصوص:

ما ورد في روايات قتل كعب بن اﻷشرف:

"كان قدوم هذا الرجل بلاءً علينا عادتنا العرب ورمونا عن قوسٍ واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس"
تاريخ الرسل والملوك للطبري

"فقالت: أمّهنّ: هلك رجالنا، وإذا هلك الرجال ضاع النساء"
تاريخ الرسل والملوك للطبري

لأسد بن كرز:

فمَنْ جارُ مولى يدفع الضـيمَ جـارُه
إذا ضاع جاري يا أميمة أو دَمِـي
اﻷغاني لأبي الفرج اﻷصفهاني

ما يلحظ في اﻷمثلة السابقة أن ضاع أكثرَ ما تستخدم لا بمعنى هلك لكن اقترب من الهلاك لسبب انعدام أسباب الرعاية و الحفظ.

ضاع تستخدم أيضا بمعنى ضلّ و تاه و هذا صحيح فصيح:
"ضَلَّ الشيءُ إِذا ضاع، وضَلَّ عن الطريق إِذا جار".

* * *

أما معنى الفقد فيستخدم له البعض لفظة " ودّر"
و معناها اﻷصلي أيضا أهلك
ودَّره أي ورّطه و أغواه حتى أوقعه في مهلكة فتوَدّر
و ودّر ماله بذّره و بدَّده فأضاعه
و نحّى شرا أو شيئا سلبيا و أبعده من أمامه: ودِّر وجهك عني
أي ابتعد و اغرب عن وجهي.


و قد استخدمت الكلمة بمعنى التفويت و الفقد منذ القدم.
جاء في كتاب الآمل و المأمول للجاحظ:

"وفي عهود بعض القضاة: وأمره أن يتجنب خصلتين هما آفتا القضاء وسبب تودير الحقوق: العجلة قبل إثبات الحجة، والانتظار بالفصل بعد وضوح الدلالة وقيام البينة"

فتودير الحقوق لا يفهم منها إهلاك أو تبذير أو تنحية الحقوق، لكن إضاعتها و تفويتها على أصحابها و هو مالم يرد في المعاجم العربية القديمة.

و من كتاب ألف ليلة و ليلة:
"يا ولدي هان عليكَ تودير روحي و مالي"