الاثنين، 11 مارس 2019

شرح قصيدة اﻷعشى: تصابيت أم بانت بعقلك زينب





تَصَابَيتَ أمْ بانَتْ بعَقْلِكَ زَيْنَبُ،
وقدْ جعلَ الودُّ الذي كانَ يذهبُ


وشاقتكَ أظغانٌ لزينبَ غدوة ً، 
تحَمّلنَ حتى كادَتِ الشمسُ تَغرُبُ


فَلَمّا استَقَلّتْ قلتُ نخلَ ابنِ يامِنٍ 
أهُنّ أمِ اللاّتي تُرَبِّتُ يَتْرَبُ

طَرِيقٌ وَجَبّارٌ رِوَاءٌ أُصُولُهُ،
عليهِ أبابيلٌ منَ الطّيرِ تنعبُ

علونَ بأنماطٍ عتاقٍ وعقمهٍ،
جَوَانِبُهَا لَوْنَانِ وَرْدٌ وَمُشْرَبُ

                                                    * *

يقول: إحساسك بهوى زينب أهو تصابٍ و انجذاب عابر أم حقا ذهبت بعقلك زينب فأحببتها ووقغت في غرامها.
أطربك مرأى الهوادج و القافلة تحمل أهل زينب و متاعهم بالعشي يحثون السير حتى مالت الشمس إلى المغيب.

شبهتهم لما بعدوا و نأوا بنخيل ابن يامن الشامخات (ملاح عربي مشهور) - أم هي صغارها؟ أتساءل -
يتراءى في المدى البعيد .. يصغر و يتضاءل كلما ازدادت تنائيا و بعدا،

تحوم حول تلك النخل العظام التي يروي الماء الوفير جذورها أسراب من الطير ناعبة.

مطروح على الهوادج ثياب من الصوف الملونة (أنماط) رُسم عليها زخارف من الوشي (عقمة) بلونين ورديّ و أبيض مختلط و مشرب بحُمرة


* الطريق و الجبار: النخيل الطويلات



أجَدّوا فَلَمّا خِفْتُ أنْ يَتَفَرّقُوا
فَرِيقَينِ، منهُمْ مُصْعِدٌ وَمُصَوِّبُ


طَلَبْتُهُمُ تَطْوِي بيَ البِيدَ جَسْرَة ٌ،
شويقئة ُ النّابينِ وجناءُ ذعلبُ


مُضَبَّرَة ٌ حَرْفٌ كَأنّ قُتُودَهَا
تَضَمّنَها مِنْ حُمْرِ بَيّانَ أحْقَبُ


* *

أسرعوا و حثوا المسير فلما خشيت أن ينقسموا فيمضي كل فريق في سبيله أسرعت للحاق بهم
و تحتي ناقة ضخمة (وجناء) قويّة (جَسرة) لكنها خفيفة سريعة (ذعلب)

تشبه أعمدة الرحل على ظهرها اﻷشرطة المرتسمة على جلد حمار الوحش (الأحقب) كالذي تراه بأرض بَيّان (مكان).

* مصوِّب: منحدِر و عكسها مُصعِد


فلما ادركتُ الحيّ أتلعَ أنسٌ،
كمَا أتْلَعَتْ تحتَ المكانِسِ رَبْرَبُ


وفي الحيّ من يهوى لقانا ويشتهي،
وآخرُ منْ أبدى العداوة َ مغضبُ


فَما أنْسَ مِلأشْيَاءِ لا أنْسَ قَوْلهَا:
لعلّ النّوى بعد التفرقِ تصقبُ


وَخَدّاً أسِيلاً يَحْدُرُ الدّمعَ فَوْقَهُ
بنانٌ كهدّابِ الدّمقسِ مخضَّبُ

* *

لما وصلت إلى الحيّ اشرأبت إليّ أعناق اﻷوانس كما تتطلع المها في مخابئها بين الشجر (المكانس) إلى الصوت و تتلفت إلى القادم .
و فيهن لا شك من تريد لقائي و تتطلع إليه كما في رجال الحي من يرمقني بنظرات العداوة و الغضب.

لن أنسى قولها لعلّ البعاد و الفراق يفضي إلى لقاء، ولن أنسى خدها الناعم الطويل (اﻷسيل) و لا أطراف أصابعها اللينة المخضبة كثنايا الحرير (الدمقس)


*الربرب: قطيع البقر الوحشي/ المها


وكأسٍ كَعَينِ الدّيكِ باكَرْتُ حدّها
بفتيانِ صدقٍ والنواقيسُ تضربُ
سلافٍ كأن الزغفرانَ، وعندماً،
يصفَّقُ في ناجودها ثمّ تقطبُ

لها أرجٌ في البيتِ عالٍ كأنما
ألمّ مِنْ تَجْرِ دارِينَ أرْكَبُ

* *

رُبّ خمر سُلاف (سالت دون أن تُعصر) بلون الزعفران هي، كعين الديك في صفائها إذا صُبّت من إناء إلى إناء آخر لتمزج في الناجود (إناء) شممت لها أريجا زكيا كأنما هو المسك يجلبه من بلدة دارين (بالبحرين) ركب * التجار ..
بكرت إلى شربها ونواقيس الكنائس تدق و معي فتيان نِعم الفتيان هم


* أركَب: هكذا في الديوان و لعلّ الصواب أرْكُبٌ جمع رَكْب و هم المسافرون على الإبل دون غيرهم.


ألا أبلغا عنّي حريثاً رسالة ً،
فإنكَ عنْ قصدِ المحجّة ِ أنكبُ


أتَعْجَبُ أنْ أوْفَيْتِ للجَارِ مَرّة ً،
فنحنُ لعمري اليومَ من ذاكَ نعجبُ


فَقَبْلَكَ مَا أوْفَى الرُّفَادُ لجَارِهِ،
فأنْجاهُ مِمّا كان يَخشَى وَبَرْهَبُ


فأعطاهُ حِلْساً غَيرَ نكْسٍ أرَبَّهُ
لؤاماً بهِ أوفى وقدْ كادَ يذهبُ


تداركهُ في منصلِ الألّ بعدما
مضى غيرَ دأداءٍ وقد كادَ يعطبُ

* *

أبلغا يا صاحِبَيَّ الحارث بن وعلة الجَرْمي* رسالةً عنّي: لقد انحرفت عن الطريقة القويمة،
أتعجب من أنك وفيت لجارك مرة واحدة , و تفخر علينا بذلك، نحن أيضا نعجب من ذلك [فأنت أبعد ما تكون عن الوفاء!]
و هل وفاؤك إلا كوفاء الرّقاد لجاره..
يشير إلى غدر الرُّقاد و أخيه ورد - و هما من قبيلة جعدة العامرية- بشراحيل بن اﻷصهب الجُعفي

و كان شراحيل هذا ملكا كثير الغزو شديد البأس مظفرا في حروبه، جمع خلقا كثيرا من اليمانية لغزو عرب الشمال
و هادن بني عامر على أن يخلوا سبيله فيمضي في غزوه دون أن يتعرض أحدهما للآخر.. و مر شراحيل على بني جعدة فأكرموه
و أحسنوا ضيافته و أساء بعض جنوده التصرف فتآمر الرقاد و أخوه ورد عليه فدعاه ورد إلى مأدبة طعام ثم قتله و حمل الرقاد * و قومه على جيش شراحيل.


يقول طعنه بسهم حاد كان أعدَّه (أربّه) ترصدا للغدر و لؤما وقد كان الملك على وشك الارتحال، قتله في شهر رجب (مُنصِل اﻷلّ) * آخر الأشهر الحرم و كان انقضى و لم يبق منه سوى الليلة اﻷخيرة (الدأداء).

* *


* الحارث بن وعلة الجَرْمي شاعر جاهلي و أحد فرسان قضاعة المشهورين كان أبوه وعلة قائد قضاعة في يوم الكُلاب الثاني

* الرقاد بن ربيعة بن عمرو الجعدي أسلم و استقل بفارس أيام عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
* يُعرف أيضا بمُنصِل الأسنة أي إنهم يخلعون أسنة الرماح فيه دلالة على عزوفهم عن القتال فيه.


وَنَحْنُ أُنَاسٌ عُودُنَا عُودُ نَبْعَة ٍ
إذا انتسبَ الحيانِ بكرٌ وتغلبُ
لَنَا نَعَمٌ لا يَعْتَرِي الذّمُّ أهْلَهُ،
تعقَّرُ للضيف الغريبِ وتحلبُ

ويعقلُ إنْ نابتْ عليهِ عظيمة ٌ،
إذا ما أناسٌ موسعونَ تغيّبوا


ويمنعهُ يومَ الصّياحِ مصونة ٌ،
سراعٌ إلى الدّاعي تثوبُ وتركبُ


عناجيجُ منْ آلِ الصّريحِ وأعرجٍ
مَغَاوِيرُ فِيهَا لِلأرِيبِ مُعَقَّبُ


وَلَدْنٌ مِنَ الخَطّيّ فِيهِ أسِنّة ٌ،
ذَخائِرُ مِمّا سَنّ أبْزَى وَشرْعَبُ


وبيضٌ كأمثالِ العقيقِ صوارمٌ،
تصانُ ليومِ الدَّوخِ فينا وتخشبُ


وكلُّ دلاصٍ كالأضاة ِ حصينة ٍ،
ترى فضلها عنْ ربّها يتذ بذ بُ

* *

يقول نحن أناس أصلنا شريف و عودنا صلب، لنا مال من إبل و شاء نذبحها (نَعَم) للضيف الغريب و نسقيه من لبنها.. نحبسها و نوفرها لأيام الشدائد كي ننفقها حين يبخل بعض الأغنياء (تعريض بصاحبه)
فإن أغير علينا فإن لنا من الخيل الضامرات (العناجيج) الأصيلات من نسل الصريح و أعوج، و من الرماح الخطية (نسبة إلى خطٍّ قرية بالبحرين) المسننة مما صنع أبزى و شرعب صانعا السلاح المعرفان، و لنا من السيوف (البيض) القواطع التي نصونها و نصقلها (نخشبها) استعداد للحرب،
و لنا من الدروع اللامعة (الدلاص) كالغدير (اﻷضاة) التي يلبسها المحارب فترى حواشيها تتراقص عليه ..

لنا كل ذلك مما نمتنع به و يكفينا لتعقب المغير [و رد العدوان]



هناك تعليقان (2) :


  1. شكرا أستاذ على هذه المدونة الجميلة، لقد اكتشفتها لتوي واطلعت على بعض المنشورات واستفدت واستمتعت، ولكن يؤسفني أن تكون بخيل النشر سنة كاملة وأكثر بخلا في تعريف الناس بهذا المحتوى، أراهن أن ثمة الكثيرين سيعجبون ويهتمون بما تقدمه لو أنهم فقط يدرون بوجوده، لا أدري عما كنت أبحث ولشدة ندرة المحتوى المتعلق به أرشدني جوجل إلى هنا، حبذا لو تكون نشطا أكثر على المدونة وعبر مواقع التواصل، هذا طبعا إذا كان وقتك ورغبتك يسمحان بذلك، أستطيع تقديم المساعدة إن أحببت. شكرا
    Yassine Haber

    ردحذف
    الردود
    1. أشكر لك هذه الكلمات الطيبة ياسين، سعيد أنك استمتعت بزيارتك لمدونتي المتواضعة .. هو كما ذكرت الوقت لا غير .. المشاريع كثيرة و بعضها يحتاج إلى التفرغ، سأحاول تخصيص وقت أكبر للمدونة و النشر أكثر. أشكر لك تشجيعك و مساعدتك. مرحبا بك

      حذف