الاثنين، 12 أبريل 2021

عبد الرحمن الداخل محدثا عن نجاته من العباسيين و فراره من الشام

يقول عبد الرحمن بن معاوية الداخل، محدّثا عن محنته بالشام.. في شهادة مؤثرة كأنك تستمع إليه و هو يحكيها لك اليوم

( وكان المُسَوّدة/ العباسيون أمّنوا من تبقى من بني أميّة ثم غدروا بهم و قتلوهم قتلا ذريعا):

لما أُمّنّا وشاع ذلك ركبت متنزها فوُقع بهم وأنا غائب فرجعت إلى منزلى فنظرت فيما يُصلح أهلى ويُصلحنى،
وخرجت حتى صِرْت في قرية على الفرات ذات شّجر وغياض  وأنا و الله ما أريد إلا المَغرب ؛ وكنت قد بلغتني رواية ..

كان والدى - رحمه الله - قد هلك فى زمن جَدّى ‏ رحمه الله - وكنت صبيا إذ هلك  فأقبل بى وبإخوتى إلى الرُصافة، إلى جدّى و مسلمة بن عبد الملك - رحمه الله- لم يَمْتَ بعد
فنحن وقوفٌ ببابه على دوابنا إذ سأل مسلمةٌ عنا
فقيل : أيتامُ معاوية
فاغرورقت عيناه بالدّمع  ثم دعا بنا الاثنين فالاثنين،
فأقبل يدعو بنا حتى قدمت إليه  فأخذنى وقبّلنى  ثم قال
للقيّم : هاته
فأنزلنى عن دابتى وجعلنى عن أمامه وجعل يقبّلنى ويبكي بكاء شديدًا
فلم يَدْعُ بعدي من كان أصغر من إخوتي وشغل بى فلم يُفارقنى
فأنا أمامه على سرجه حتى خرج جدّى فلما رآه قال:
ماهذا يا أبا سّعيد ؟
فقال : بنىٌّ لأّبي المُغيرة  -رحمه الله -
ثم دنا من جدّى فقال له :
تدانى الأمر، هو هذا
قال : أهو ؟
قال : أي والله قد عرفتُ العلامات والأمارات بوّجهه وعُنقه .

.. ثم دُعي القَيّم فَدُفِعتُ إليه  وأنا ابن عَشر سنين يومئذ أو نحوها  فكان جدّى  رحمه الله  يؤثرني ويتعاهدني بالصّلة والبعثة التى فى كُل شهر
وكنا بكورة قِنّسْرين بيننا وبينه مسيرة يوم
حتى مات ومات مسلمة أبو سعيد قبله بسنتين
فكانت تلك فى نفسى مع أشياء كانت تُذكر.

فإنى لَجالس فى القرية فى دارٍ كنا فيها  ولم يبلغنا بعد إقبالُ المُسَّوِّدة  فكنت فى ظلمة البيت وأنا رمِد شديد الرّمد
ومعى خِرقة سوداء أمسح بها قَدَى عينى  والصبى سُليمان يلعب  وهو ابن أربع سنين أو نحوها  إذ دخل من باب البيت فَتَرَّامى فى حِجرى  فدفعتّه لِما كان بي ثم ترامى وجعل يقول مايقول الصّبيان عند الفزع.

.. قخرجث فإذا أنا برايات مُطلّة  فلم يَرُعني إلا دخولٌ أخي فلان
فقال: ياأخي رأيتَ المسوّدة ؟
وكنثُ لمّا فعل بي الصبي مافعل قد خرجتُ فرأيتهم فلم أدرك شيًا أكثر من دنانير تناولتها  ثم خرجت أنا والصبي أخي  وأعلمث أُختى  أم الأصبغ وأمة الرحمن بمُتَوجَّهي٠ وأمرتهما أن يُلحقاني بما يُصلحني إن سَلِمت .

فخرجت حتى اندسّستُ فى موضع ناء عن القرية  وأقبلوا فأحاطوا بالقرية ثم بالدّار، فلم يجدوا أثرًا ،  ومَضينا حتى لحقنى بَدرٌ
ثم خرجت حتى أتيت رجلا على شاطئ القرات  وأمرته أن يبتاع لى دوابا وما يُصلحني
فأنا أَرقُب ذلك إذ خرج عبد له أو مولى فدلّ علينا العامل  فأقبل إلينا
فوالله ماراعنا إلاجلَبة الخيل إلينا فى القرية
فخرجنا نشتد على أرجلنا  وأبصرتنا الخيلُ فدخلنا بين جنان على الفرات و استدارت الخيلٌ  فخرجنا وقد أحاطت بالجنان
فتبادرنا وسَبقناها إلى الفرات فتّرامِينا فيه،  وأقبلت الخيل فصاحوا علينا:
لابأس عليكم !
فسبحتُ وسبح الغلام أخي  فلما سِرّنا ساعة سبقتُه بالسباحة وقطع  قدر نصف الفرات فالتفتُ لأرفق وأصيح عليه ليلحقني
فإذا هو والله لما سمع تأمينهم إياه وعَجل خاف الغرق  فهرب من الغرق إلى الموت٠
فناديته: أقبل ياحبيى إِليّ!
فلم يأذن الله بسّماعى  فمضى، فمضيت حتى عبرتُ الفرات  وهمَّ بعضّهم بالتجرد ليسبح فى إثرى .
ثم بدا لهم وأخذوا الصبي فضُربت رقبته وأنا أنظر
وهو ابن ثلاث عشرة سنة  رحمه الله.

ثمّ مضيتُ ..

المصدر: أخبار مجموعة [في فتح اﻷندلس] لمؤلف مجهول الأرجح أانه عاش في القرن الثالث للهجرة، فهو يقول: " أخبرني من سمع عبد الرحمن بن معاوية يحدّث طائفة عن بدء حديث هربه.."  فهو يروي عن من استمع للداخل يحدث بالقصة.