الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

قصيدتي الصامتة هذا المساء







يطالعك من عيونها الهادئة السحر والعطر، يحمل الأريجُ المضمّخ بعبق الصنوبرسلامَها الجميل إلى رياض قلبك على جناح نسمة خفاقة تائهة في مدى معلق بين صفحتين من الزرقة..
البحر مستغرق في أحلامه الضائعة، تمتد أيدي الموج محاولة القبض على على وهم ما، تتطاول هنيهة، تتناول أطيافا من الخيالات المتماوجة براحتها السرابية، تلطم صفحة الرمل راسمة همسا كالأسرار بحروف و همية تنسحب  بانسحاب أناملها المائية اللطيفة  إلى الأعماق في لحظات.. تتلاشى.
يظل السر غمغمة مبهمة وسـْط أصداء البحر المتضاربة...
تجاوبها على الساحل انفجارات خضراء تتدرج في تسلسلها اللوني من فاتح وضاء إلى قاتم حزين .. يغرق الغاب في أحلامه الربعية تنبهه من منامه الوارف بين الفينة والأخرى نسمات عابرة 
تتلاعب كالعذارى في عيون المساء..
ليست قطعة من حلم تكاد أن تكونه، هي بعض المنتجعات التي آوي إلى أحضانها كعادة الشعراء هربا من صخب الحياة ..
حقا ما أجمل هذا البلد .. و ما أقساه،
تذكرني هذه اللوحة الحية طعم الحرية، أتنسم ريحها الطيبة و هلة فتنبعث الحياة، تضج في كياني... تذكرني بغيابها عن ملامح أيامنا الكئيبة..
أقفل راجعا مثلما جئت إلى ما بقي من يومي الذي طغت نضارته على رتابته المعتادة: عشرات الحواجز العسكرية تخنق الطريق مرة كل بضع كيلومترات، أحاول جاهدا أن أتذكر لون الحرية لكنه يتلاشى كهمس البحر إلى موطنه على شاطئ الوهم هربا من زرقة الاضطهاد و خضرته، من كآبة الكابوس الجاثم على صدر هذه الأرض الطيبة ..
ما أجمل هذا البلد وما أقساه

الخميس، 19 أغسطس 2010

ترجمان / جريدة الصباح


ادب: ترجمان
النسق المتعدد لترجمة الشعر
عبدالكريم يحيى الزيباري
يقول الدكتور علي الوردي(عندما تترجم روائع الأدب الغربي إلى اللغات المختلفة لا تفقد من قيمتها إلا قليلاً، ذلك أنَّه أدب حر يخاطب الإنسانية في كلِّ مكان فهو لا يتقيَّد بقيود النفس أو المجتمع أو الحضارة ولا يتأثَّر بعنجهياتها الخاصة،


ولذا تراه حبيباً إلى كلِّ قلب، منتشراً في جميع الأمم، فنحن نتذوَّق أدب برناردشو مثلاً في كل لغة، ولكننا إذا ترجمنا أدب البحتري إلى لغةٍ أخرى لا نكاد نحصلُ من جرَّاء ذلك إلا على سواد الوجه). د. علي الوردي- خوارق اللاشعور- دار الوراق للنشر- ط2- 1996- لندن- ص67.
وهذا القول، كان قد استنتجهُ الوردي من مقولة شهيرة للبروفسور اللبناني فيليب حتى(1886- 1978) ما كنا نعلمها لولا أنَّ الوردي استشهد بها ضدَّ خصومه(إنَّ القصيدة الجاهلية قوية في تركيبها اللغوي، حية بعاطفتها الجياشة، ولكنها ضعيفة من حيث أفكارها الأصلية أو خيالها الذي يحفزُ على التفكير، ولهذا فهي تفقد قيمتها حين تترجم إلى لغات أخرى)د. علي الوردي- أسطورة الأدب الرفيع- دار كوفان- ط2- 1994- لندن- ص95.
ويقول يحيى حقي واصفاً مترجمي ومؤلفي العصر(إذا ترجمَ ألَّفْ، وإذا ألَّفَ ترجَمْ) وهو صادق، ونحن نتحرى ذلك بمقارنة ترجمات لمترجمين مختلفين لنصٍّ واحد، لمناقشة قراراتهم في اختيار لفظة دون أخرى، فزهرة الليلك، طالما تغنَّى بها الشعراء، القدماء والمعاصرين، واسمها بالعربية زنبقة، محمود درويش في قصيدة مطر يقول(ناري، و خمس زنابق شمعية في المزهرية، وعزاؤنا الموروث: في الغيمات ماء، و الأرض تعطش. والسماء تروى. و خمس زنابق شمعية في المزهرية). وفي قصيدة “خارج من الأسطورة” يقول(عندما انهار الأحبّاء الكبار، وامتشقنا، لملاقاة البنادق، باقة من أغنيات وزنابق!) وكتب الشاعر والت ويتمان عند موت أبراهام لنكولن الرئيس الأمريكي، قصيدته الشهيرة “عندما يخبو الليلك عند عتبة الإزهار”. ونازك الملائكة في قصيدتها “ثلاث أغنيات شيوعية” تقول(ونفضح ما دّبرت كلّ جاسوسة زنبقه/ وما روّجته العصافير بالرقص والزقزقه/ وإنّا لنعلم أنّ القمر/ تآمر فلننصب المشنقه). هناك مَـن يترجم إبريل بقراءة حرفية للكلمة في لغتها الإنكليزية، وهناك من يترجمها نيسان، ولؤلؤة يترجم(dead land) بالأرض الموات، وغيره بالأرض الميتة، والأولى أقربُ للقلب، والأخيرة أحبُّ إلى سيبويه، لأنَّ الموات أرض ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة، وأرضٌ ميتة إذا يبست ويبس نباتها فإذا سقاها المساء صارت حية. وهكذا الأمرُ في بقية الاختلافات، إذا تحرَّيَنا الصواب والدِّقَة، انفلتت الشعرية شيئاً فشيئاً، وإذا لم نفعل، صارَ النصُّ المُترْجَم مُبْتَدَعاً ومُؤلَّفاً، ولا علاقة له بالنص الأصيل. فما العملُ إذن؟ لا ترجمُ الشِّعر إلا شاعرٌ، لديه خيارات كثيرة من ذاكرته اللغوية، ينتقي منها ما يشاء، لتخفيف الضرر عن النص الأصيل. وعبارة إليوت(April is the cruellest month) ترجمها الشاعر الجزائري عبدالهادي السائح(أبريل أقسى الشهور) وترجمها د.نبيل راغب(ابريل أشد شهور العام قسوة) وفي ترجمة د.عبد الواحد لؤلؤة(نيسان أقسى الشهور). لفظة أبريل ثقيلة، ولهذا استبعدها قبَّاني في قصيدته “قانا”(وجه قانا شاحب اللون كما وجه يسوع، وهواء البحر في نيسان, أمطار دماء, ودموع). والشاعر البحتري في قصيدته “رحلت وأودعت الفؤاد لواحظا” (فكأَنَّ دَيْناً للسَّماء عَلَى الثَّرَى/ سَلَفاً قَديماَ حَلَّ في نَيْسَانِ).
قامت نظرية النَّسَق المتعدِّد في الترجمة (بفرز وتعريف لعدد معيَّن من معايير الترجمة التي تؤثِّر على اتخاذ القرارات عند ممارسة الترجمة) حيث كان مؤيدو النظريات القديمة(قد مالوا إلى فحص العلاقات القائمة على مقابلة الواحد بالواحد، وإلى فحص الأفكار الوظيفية عن التكافؤ، وآمنوا بالمقدرة الذاتية للمترجم على اشتقاق نص مكافئ، يؤثِّر بدورهِ على الأعراف الأدبية والثقافية في مجتمع معيَّن، أما منظرو النسق المتعدِّد فيفترضون عكس ذلك، فالمعايير الاجتماعية والأعراف الأدبية في الثقافة المستقبلية “النَّسق المُستَهْدَف” تحكم الفرضيات الجمالية المُسبَقة لدى المترجم، ومن تؤثِّر في منشأ اتخاذ القرارات الخاصة بالترجمة)إدوين غينستلر- في نظرية الترجمة: اتجاهات معاصرة- ترجمة د. سعيد عبدالعزيز مصلوح- المنظمة العربية للترجمة- 2007- بيروت- ص265.
في ترجمة عبد الهادي السائح للأرض اليباب(دفن الموتى/ أبريل أقسى الشهور/ ينبت الليالك من الأرض الميتة/ يمزج الشوق والذكرى/ يحيي الجذور الخاملة بطل الربيع/ أبقانا الشتاء دافئين/ غطى الأديمَ بثلج النسيان/ غذى شيئا من حياةٍ ببعض الجذوع اليابسة/ فاجأنا الصيف قادما عبر بحيرة ستان برجرسي بوابل من المطر/ وقفنا بين الأروقة/ ثم مضينا تحت ضوء الشمس إلى حديقة هوفتجارتن الملكية/ حيث احتسينا القهوة وتحدثنا ساعةً/ لا لست روسية، أنا من لتوانيا، أنا ألمانية أصيلة/ عندما كنا صبيانا، ماكثين لدى الدوق/ قريبي، أخذني على متن زلاجة/ تملكني الخوف فقال لي/ مريم، مريم.. تمسكي جيدا/ وانحدرنا بين الجبال/ هناك تحس بالحرية/ أنا أقرأ أكثر الليل وأرحل جنوبا في الشتاء).