الأحد، 17 ديسمبر 2017

كلمات عربية من أصل أمازيغي










أكثر الكلمات اﻷمازيغية التي استعارتها اللغة العربية سواء المحكية الدارجة  و المكتوبة،  تتعلق بالنبات .. فالمتصفح لجامع ابن البيطار (اﻷندلسي) الذي لا يزال المصدر الرئيس في النبات بالمغرب العربي و حوض المتوسط بصفة عامة، يدرك مدى حضور اللغة الأمازيغية في هذا المجال،
أبدأ بكلمة لاقت رواجا كبيرا في اللهجات العربية كما في اللغات اﻷوربية
(ترفاس) أو الكمأة، و هو نبات من الفطريات ذو قيمة غذائية عالية، اسمه بالفرنسية terfesse ، و في غيرها من اللغات الأوربية كالإسبانية  و الإيطالية و الهولندية يعرف بالصيغة اللاتينية terfeziaceae، و من أسمائه في الإسبانية تروفاس .. الظاهر أن الاسم انتقل عبر اللغة البروفنسالية  القديمة إلى الإنجليزية التي أصبحت تسميه و ما يشابهه من ثمر الفطريات truffles - اللغويون الإنجليز محتارون في أصل الكلمة-


(التِفاف) كلمة أمازيغية أخرى حجزت مكانا مضمونا في لغة العرب ، و هو نبات من النجميات يكثر على حواف الطرق في الأماكن الرطبة، يؤكل و له فوائد طبية.


و من الكلمات الشائعة  في الاستعمال العامي بالمغرب العربي (تيمرصاض) الفوتنج البري، (تالغودا) البطاطا البرية، و هذه كلها نباتات طبية،


أما أسماء الحيوان فمنها ( القُنين) - و هو لفظ أمازيغي معرّب- للأرنب الداجن، فعرب المغرب أو كثير منهم يسمي البري (ارنب) أو لرنب - بتخفيف الهمز- أما المدجن فلا يسمونه أرنبا في الكلام الدارج.
ومن أسماء الحيوان الأخرى الشائعة في بعض اللهجات المحلية  (تالفزة) لنوع من العظاءات و يقابلها بالأمازيغية (تالفسا) أي اﻷفعى، (تاتا) أو الحرباء.
أما الأشاء فهناك مثلا لفظ (القَزُّول) الشائع في بعض اللهجات الحضرية بالجزائر بمعنى العصا الغليظة / الهراوة، و أصله  (آكزال)
و هو رمح قصير عرف به المقاتلون اﻷمازيغ في اﻷندلس لعهد المرابطين.


مصادر و مراجع:

ابن هشام اللخمي اﻷندلسي،  المدخل إلى تقويم اللسان.
ابن البيطار، الجامع لمفردات اﻷدوية و الأغذية.
المعجم العربي اﻷمازيغي، محمد شفيق
La langue berbère au Maghreb médiéval: Textes, contextes, analyses, Mohamed Meouak










الجمعة، 8 ديسمبر 2017

عن بعض الكلمات / العبارات المعربة



بعض مشاكل الترجمة نتجت عن ضعف التواصل بين اﻷقطار العربية، لقد ترجم المشارقة كلمة (cerise) الفرنسية إلى (كرز) و نظيرها العربي الحميل عند إخوانهم في المغرب العربي موجود مذ قرون: (حب المُلوك):
قال ابن الخطيب:

انظر إليها تجد حب الملوك بها.. وقد حكى نورها المبيض حين فتح
قطنا تراكم في الأغصان إذ قذفت..لفائف الثلج في أعلاه قوس قزح

و لابن زمرك، شاعر الحمراء:

يا خيرَ من ملكَ المُلوك .. أهديتي حب الملوك


وقد صرنا إلى زمن من الجهل و نقص الذوق حتى صار الطلاب إن سمعوا أحدا قال (حب الملوك) صححوا له قائلين: اسمه بالعربية (الكرز)

و ترجموا لفظة (  artichoke ) إلى أرضي شوكي غافلين أن اللفظ الذي انتقل إلى الإنجليزية في رحلة عبر لغات عدة، هو لفظ عربي أصلا انتقل منها إلى الإسبانية و لا يزال بصيغته الأولى في أنحاء المغرب العربي (الخرشف)

وجعلوا لفظ قرصان يدل على (لص البحر) وهو في كلام أسلافنا يدل على نوع من السفن،
لأحد شعراء الملحون يصف جواده:
قرصان البَّحرْ كانْ (لو) عام
 الكلمة تعريب للفظ الفرنسي (corsaire).
..
الترجمة أيضا وراء بعض العبارات الغريبة المستعملة في الإعلام و منصات التواصل.. نسمع مثلا (هكذا أمر) نقلا عن العبارة الإنجليزية (such a) متبوعة باسم ، الصحيح (أمر كهذا) ، فإن كنا في حاجة إلى تنويع فما المانع من استعادة بعض العبارات مثل (كها) .. ما كها الإنس تفعل، على رأي الشنفرى.

هذا باب يضيق فيه المجال عن الإحاطة،
على كل حال، فوضى الترجمة تكون خلاقة حينا لأنها تسمح بالمنافسة بين البدائل و ضارة أحيانا لأنها تشتت اللغة و تشوش على القراء و الكتاب،
وكما أشرتم، القبول بالشائع على علاته قد يكون  خيرا من السعي إلى استبداله و لكن لا بأس بالاقتراح و المحاولة.
الكلمات المعربة ليست أولى بالرفض من كثير من الأخطاء اللغوية التي أصبحت مقبولة - نوعا ما- بحكم استعمال أدباء و شعراء بارزين لها، مثل:
حكايا بدل حكايات، خجلى بدل خجِلة، ورود بدل ورد (جمع وردة) و زهور بدل زهر، و ترحال و ما شاكلها وزنا بكسر التاء بدل فتحها عدا تلقاء و تبيان، و استعمال أي للإبهام بدل ما في قولهم أي شي بدل شيء ما، و استعمال لطالما محل ما دام تماشيا مع التعبير الإنجليزي (as long as) و غير ذلك كثير.

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

اﻷرض الخراب أو اليباب؟

تعقيب لي على مقال للدكتور عبد الواحد لؤلؤة نشر بصحيفة القدس العربي بتاريخ 18-11-2017 يقول فيه من بين أمور أخرى إن (اﻷرض الخراب) خطأ لغوي و اليباب هي التي لا تنبت الزرع..ملوحا بتفوق ترجمته للقصيدة على ترجمات سابقيه:

كثير من ترجمات الشعر توخى أصحابها الدقة في استخدام الكلمة إزاء الكلمة ثم أنتجوا لنا نصوصا مشوهة لا تكاد تستبين منها معنى و لا تستشف فيها جمالا و لا هي بالعربية التي نعرف. الدقة في ترجمة الكلمات جزء بسيط من تحدي ترجمة الشعر، فنجاح المترجم في تقمص المعاني الظاهرة والخفية على مستوى الأسلوب وجمال نص الترجمة هما اللذان يحددان قيمتها في نهاية المطاف.

ثم إنه من غير الممكن أن نقول إن هذه الكلمة في اللغة الفلانية تقابل كلمة ما في لغة أخرى في جميع أحوالها و كل دلالاتها الممتدة إلى الجذور الثقافية و المخيال الجمعي للناطقين بها. و لو أخذنا لفظة wasteland مثلا لوجدنا نطاق مدلولها يتجاوز معنى “الأرض اليباب” أي القفر الخالية ، فهي الأرض البلقع التي لا تنبت زرعا و لا فيها بنيان سوى الخرائب إن وجدت.. أو ربما طالها الدمار و انتشر فيها الخراب..

استخدام لفظة خراب ليس خطأ لغويا، جاء في لسان العرب (أَرْضٌ يَبابٌ أَي خرابٌ/ يقال خَرابٌ يَباب)..فاللفظان متلازمان متقاربان في المعنى،( اليباب) وصف للمكان الخالي الذي لا أَحد به و (الخراب) أحسن تعبيرا في هذا الصدد لأن فيها زيادة على معنى يباب حيث الخراب نقيض العمران أو -اﻷصح- انتقاضه ..إي إن المكان كان به عمران ثم طالته يد الدهر بالدمار أو بالتداعي.
الابتعاد عن الترجمة الحرفية أقرب إلى الدقة و إلى الأمانة في غمار اﻷدب فانتقاء اللفظ لا يكون سليما إلا بقدر خدمة اللفظ المنتقى للمعنى وللبعدين البلاغي و الجمالي في السياق العام.


الأربعاء، 16 أغسطس 2017

زجل أندلسي لابن قزمان

الأربعاء، 2 أغسطس 2017

رسالة إلى القمر






أريدُ أن أرسم في 

و جه القمرْ

رسالةً عاشقةً

لم يُبق منها الدهرُ 

إلا أحرفا شتّى 

كأوهامِ السحَرْ

و مُنيتينِ

كانتا .. 

أغنيّةً عتيقةً

يعزفها الحزنُ على
وقع المطرْ ..
ينتابني الشتاءُ يا صبيتي
كالحالمين حين يرحلونَ
عنْ ممالكِ الغجَرْ


قوافلٌ
تلملمُ الدروبَ
أو يتيه في مسيرها القدَرْ
يبكي الشتاءُ في عيوننا 
تسافرُ الغيومُ
كاﻷطلال في بحيرةِ المساءِ
ثمّ تندثرْ
يشيخُ حلْم الليل في وجه القمَرْ 
أريد أن أرسم يا صغيرتي ..
مدائنا تنام في ضوضائها
بلا عيونْ
تذوي على خرائط النسيانِ 
كالرقيم في الزبُرْ 
أسطورةً
كألف عامٍ من تباريحي
التي تغفو على مرافئ الغروب
شطآنَ صورْ ..
أرسمها على القمرْ ..
لأعلنَ انسحابيَ اﻷخيرَ
قبل أن .. ألملم الحروف
من ضياعها.. 
و أنكسرْ



الخميس، 2 فبراير 2017

اﻷرض الخراب



للشاعر ت س إليوت

الجزءان الرابع و الخامس

ترجمة عبد الهادي السايح




اﻷرض الخراب لـ ت س إليوت

غرق

(الجزء الرابع)

ترجمة عبد الهادي السايح


فليباس الفينيقي، ميتٌ مذ أسبوعين..
نسيَ صياحَ النوارس، عواصفَ البحار العميقة
نسي الربحَ والخسارة.
في أغوار البحر،
يقلب التيارُ عظامَه في غمرةٍ من الهمس.
مرّ، في تقلبه بين الصعود والهبوط، بمراحل حياته
وبشبابه لما ابتلعته الدوامة.
حنيفاً كنتَ أومشركاً
أنتَ، يا من تدير الدفّة، وتنظر ناحيةَ هبوب الريح
اعتبر مصير فليباس الذي كان وسيما، فارعَ الطول مثلك. [1]



* *


اﻷرض الخراب لـ ت س إليوت


ماذا قال الرعد

(الجزء الخامس)

ترجمة عبد الهادي السايح



بعد وهج الشعلة الأحمر على
وجوهٍ تتصبب عرقا
بعد الصمت الصقيعي في الحدائق،
بعد تباريح الألم في البقاع الصخرية،
بعد الصراخ والعويل،
السجن والقصر
وصدى
رعود الربيع فوق الجبال البعيدة..
صار الذي كان حيا ميتا الآن [2]
والآنَ نموت نحن الذين كنا أحياء
بقليل من الصبر

لا ماءَ هنا، لا يوجد غير الصخر
صخر ولا ماءَ ودربٌ رملي
الدربُ يلتف صعودا بين الجبال
والجبال صخور لا ماء فيها
لوكان هنا ماء لتوقفنا وشربنا
المرءُ لا يستطيع أن يتوقف أويفكر بين الصخور
قد جف العرق وغاصت الأقدام في الرمال
لوأن وسْط الصخر ماءً
وسطَ الصخرِ،
الجبل ِ الميت ذي الفم النخِرَة أسنانه الذي
لا يسطيع أن يمج ماءً
هنا لا يستطيع المرءُ أن يقف أويجلس أويتكئ
حتى الصمت غادرَ الجبال
ما من شيء سوى
رعدٍ كاذب ٍ عقيم ولا مطر
حتى الوحدة هجرت الجبال
ما من شيء سوى
وجوه عابسة محمرّة تزمجر ناظرة شزرا
من أبواب بيوت طينية متصدّعةِ الجدران
لوأن ثمة ماءً
ولا صخرَ
لوأن ثمة ماءً وصخرا
وماءً،
وعينا
وبركة وسط الصخر.
لوأن ثمة طبطبة ماء فقط
لا صريرَالجندب
وخشخشةَ الزرع اليابس،
صوتَ ماءٍ يسيل فوق الصخور
حيث يزقزق طائر الناسك المغرد بين أشجار الصنوبر
قطرةٌ قطرةْ، قطرةٌ قطرةْ، قطرةٌ قطرة
لكنْ ليس ثمة ماء.

من ذا الذي يمشي قربك دائما؟
عندما أعدّ لا أجد غيرَنا، أنا وأنت معا
لكنْ عندما أنظر قدامي إلى الطريق الأبيض
ألمح دوما شخصا آخر يمشي جنبك
يتدحرج متدثرا بمعطف أغبرَ، وهوملثم
لا أدري إن كان رجلا أوامرأة
...من ذا الذي أراه على جانبك الآخر؟

ما ذاك الصوت في السماء؟
غمغمة أمهات ينُحنَ
من أولئك الملثمون الذين تعج بحشودهم السهول المترامية
وتتعثر خطاهم بشقوق الأرض المتصدعة
لا يكتنفهم إلا الأفقُ المنبسط....
ما تلك المدينة فوق الجبال
تتصدع، تُرمّم، تنفجر متطايرة في الهواء البنفسجي
أبراج تتهاوى..
القدس أثينا الإسكندرية فيينا لندن
أوهام كلها.

انداحَت ضفائر شعرها الأسود الطويل
عزفت موسيقى هامسة على الأوتار
فهسهست وطاويطُ بوجوه الأطفال في الضوء البنفسجي، وجعلت تخفق بأجنحتها
ثم زحفت منكسة رؤوسها اتجاه حائط مُسودّ..
كانت الأبراج معلقة في السماء بالمقلوب
تقرع نواقيسَ الذكرى
التي كانت تحصي الساعات
تجاوبت بالغناء أصواتٌ انبعثت من الصهاريج الفارغة
والآبار الناشفة

في هذه الحفرة المتعفنة وسْط الجبال،
في ضوء القمر الخافت، يتغنى العشب
فوق القبور الدارسة وحول المعبد الصغير
والمعبد خاوتسكنه الرياح
ليس فيه نوافذُ
والباب يتأرجح
إنّ العظام الناخرة لا تؤذي أحدا
لم يكن هناك سوى ديك وحيد وقف على السقف صائحا
كوكوريكوكوكوريكو..
وفي لحظة
أومض البرق
اجتاحت الأرجاءَ هبة باردة
وانهمر المطر

كان الغانج غائرا، والأوراق الخائرة
تنتظر
هطول المطر، بينما كانت الغيوم السود اء
تتجمع في المدى البعيد، فوق هيمافانت..
جثت الغابة، تكوّمت تترقب في صمت.
ثمت نطق الرعد...
دا [3]
(عطاء):
ماذا أعطينا
أيْ صديقي، بالدم يرتجُّ قلبي
هول جسارتنا في استسلامنا للحظة مجنونة
لا يمحوه دهر من الحذر
بذا، وبذا فقط عشنا
لكن ذلك لن يُذكر في مراثينا
أويسجل في ذكرياتٍ واهية ينسجها العنكبوت المفضال
أوفي وصايانا التي سيفض ختمَها
في غرفنا المهجورة، محامٍ هزيل.

دا
(تراحم):
قد سمعتُ المفتاح
دار في الباب مرة، مرة واحدة فقط
كلّ ٌ في سجنه يفكر في المفتاح
وبالتفكير في المفتاح يعمق كلٌّ منا سجنه
عند قدوم الليل فقط، تحيي
كوريولانوسَ الكسير همساتٌ أثيرية لبرهة من الزمن،

دا
(حِلم):

أجاب القاربُ بمرح
كان البحر هادئا، مطواعا ليد عارفة
بالشراع والمجداف.
لكان قلبك سيجيب مرِحا
، لدى دعوته، ويخفق طيّعا للأيادي الناصحة

جلستُ على الشاطئ أصطاد
وخلفي سهل قاحل [4]
أما عليّ أن أبثّ النظام في أراضيّ على الأقل

جسر لندن يتهاوى يتهاوى يتهاوى..
ثم غاب في اللهب المطهِّر
متى أصبحُ مثل السنونو،
أيها السنونو، أيها السنونو
أميرُ أقيطانية عند أطلال القلعة..
لقد أسندت إلى هذه الشظايا أطلالي
كما تشاءون إذن. جُن هيرونيمومرة أخرى. [5]

عطاء، تراحم، حلم
سلامٌ يفوق إدراكَ البشر
سلامٌ يفوق إدراكَ البشر
سلامٌ يفوق إدراكَ البشر

* *

للاطلاع على ترجمة اﻷرض الخراب لـ ت س إليوت كاملة:





الهوامش


الجمعة، 27 يناير 2017

الأرض الخراب


للشاعر ت.س إليوت



دفن الموتى



(الجزء الأول)



ترجمة عبد الهادي السايح






بأم عينيّ رأيتُ

كاهنة بلدة كوماي وقد أدلت رأسها في جرة

وعندما سألها الفتية

ماذا تريدين يا كاهنة

أجابتهم..
أريد أن أموت [1]
*
إلى عزرا باوند
الصانع الأحذق


دفن الموتى


أبريل أقسى الشهور،
ينبت
الليالك من الأرض الميتة،
يمزج
الشوق والذكرى
يحيي
الجذور الخاملة بطل الربيع.
أبقانا الشتاء دافئين،
غطى
الأديمَ بثلج النسيان،
غذى
شيئا من حياةٍ ببعض الجذوع اليابسة..
فاجأنا الصيف قادما عبر بحيرة ستان برجرسي بوابل من المطر [2]
وقفنا بين الأروقة
ثم مضينا تحت ضوء الشمس إلى حديقة هوفتجارتن الملكية [3]
حيث احتسينا القهوة وتحدثنا ساعة ً.
لا لست روسية، أنا من لتوانيا، أنا ألمانية أصيلة
عندما كنا صبيانا، ماكثين لدى الدوق،
قريبي، أخذني على متن زلاجة
تملكني الخوف فقال لي
مريم، مريم.. تمسكي جيدا
وانحدرنا بين الجبال،
هناك تحس بالحرية. [4]
أنا أقرأ أكثر الليل و أرحل جنوبا في الشتاء...

----
أي جذور تتشبث، أية أغصان تنمو
في هذا الخراب الصخري يا ابن الإنسان؟
لا تستطيع أن تجيب أو تخمن
فأنت لا تعرف سوى
كومةٍ من الصور المحطمة.
فيها تلفحك الشمس ولا تمنح الشجرة الميتة ملجئا
لا صوت الجندب راحة
و لا الصخر اليبَسُ خريرَ ماء.
لا يوجد غير الظل تحت هذه الصخرة الحمراء
هلم إلى ظل هذه الصخرة الحمراء
أرِكَ شيئا مختلفا عن ظلك
يهرول خلفك في الصباح
أو ظلك يتسامى ليلقاك في المساء
سأريك الخوف في حفنة من تراب..

تجر الريح غادية ً
ذيولا عذبة َ النشر ِ
هلمي غادتي الحسناءَ
نسري حيثما تسري [5]

- أعطيتني الزنابق العام الماضي، كانت أول مرة،
سموني فتاة الزنابق
- لكن عندما رجعنا، متأخرين من حديقة الزنبق،
ذراعاكِ مليئتان، وشعرك مُخضلّ
لم أستطع التحدث، خذلتني عيناي
لم أكن حيا ولا ميتا، لم أكن أعرف شيئا
كنت أنظر إلى قلب النور، الصمتِ
والبحر قفر موحش... [6]
*
السيدة سوسوستريس، عرافة مشهورة
أصابتها نوبة برد حادة..
هي، على كل حال،
أكثر نساء أوربا حكمة
ولها حزمة أوراق شريرة [7]
هاكَ،قالت لي، هي ذي ورقتك
البحار الفينيقي الغريق [8]
تلك اللآلئ التي كانت عينيه..انظر. [9]
وهذه بيلادونا سيدة الصخور
سيدة الأحوال
هاهو.. الرجل ذو الخشبات الثلاث..وها هو الدولاب [10]
وهنا التاجر الأعور [11]
أما هذه الورقة،
الفارغة، فهي شيء يحمله على ظهره
شيء غير مسموح لي أن أراه
لا أجد الرجل المشنوق. [12]
فلتحذر الموت غرقا.
أرى جموعا من الناس يطوفون في حلقة.
شكرا لك. إذا رأيت السيدة إكويتون أخبرها
أنني سأجلب خارطة الأبراج بنفسي
على المرء أن يكون حريصا هذه الأيام.
*
مدينة الوهم، [13]
تحت الضباب الأغبر ذاتَ فجر في الشتاء
تدفق حشد فوق جسر لندن، حشد غفير
ما خلت أن الرّدى طوى كل هؤلاء
عمّت الجمعَ
زفرات قصيرة مضطربة.
تدفقوا
،كلٌّ بعينيه مثبتتين أمام قدميه،
أعلى التلة ثم انحدروا إلى شارع الملك وليام
إلى حيث تحصي كنيسة القديسة ماري وولنوث الساعات
وتعلن نواقيسها، بصوت كظيم، آخر دقات الساعة التاسعة.
هناك رأيت أحدا أعرفه، استوقفته صارخا ’ستاتسن’
يا من كنت معي على متن السفن في ميلاي [14]
تلك الجثة التي غرستها في حديقتك العام الماضي
أأخذت في النماء
أم أزعج الصقيع الطارئ مخدعها..
آه..أبق الكلب بعيدا، فهو صديق الإنسان
وإلا نبش عنها بمخالبه مرة أخرى.
أيها القارئ المنافق، يا شبيهي، يا أخي [15]

* *

الهوامش

الثلاثاء، 24 يناير 2017

الأرض الخراب

للشاعر ت س إليوت

لعبة شطرنج 


( الجزء الثاني)


ترجمة عبد الهادي السايح



كان الكرسي الذي جلستْ عليه، كالعرش المنمق * [1]
ينعكس ألقه على المرمر
حيث المرآة، تحملها أعمدة نقشت فيها كروم تتدلى عناقيدها
أطل منها ملاك ذهبي [2]
وآخرُ حجب عينيه بجناحه..
ضاعفت المرآة شُعَل
الشمعدان ذي الأغصان السبعة
انصب النور منها على المائدة
فتسامى بريق حليها ليلقاه
تسامى منسكبا من حقائب الحرير
وافرَ الألق وثيرَ الاندفاق...
من قواريرَ عاجيةٍ وزجاجيةٍ ملونة فاغرةِ الأفواه
فاحت عطورها الممزوجة
مرهمية ً، مسحوقة ً، سائلة ً، مضطربة ً ... حائرة
تـُغرق الحواس في الروائح، ينشرها الهواءُ
إذ يهب عليلا من النافذة.
تصاعدتْ
تنفخ شعلَ الشموع المتطاولة
قذفت بدخانها إلى السقف الخشبي
باعثة الحياة في أشكاله المنحوتة:
أعشاب بحرية ضخمة مشبعة بالنحاس
المصهور أخضرَ وبرتقالياً .. يحفه حجر ملون
وفي ذلك النور التعس يسبح دلفين منحوت.
وفوق الرف العتيق على المدفأة ..
، وكأن نافذة أشرعت على منظر في الغابة، كان مشهد
اغتصاب الملك البربري فيلوميلا [3]
بكل فظاظته.
وحتى هناك ملأ البلبل الصحراء بصوت لا ينتهك ...
و بكت وبكت
ويتابع العالم، لا يزال،
" زق زق " لآذان قذرة.
حكت الجدران
أشكالا خشبية أخرى من الزمن،
أشكالا ذاوية،
تحدق، تبرز عن محيطها،
تميل
تطبق الصمتَ على الغرفة.
تـَردّدَ صدى خطى متثاقلة على السلم.
تحت وهج الموقد، تحت ملمس المشط
تطايرت خصلات شعرها
حبيباتِ سنا
توهجت كالكلمات
ثم غرقت في سكون موحش.

*

أعصابي ليست على ما يرام الليلة، نعم ليست على ما يرام
ابق معي. حدثني، لمَ لا تتكلم أبدا. تكلم
ما الذي تفكر فيه، فيمَ تفكر؟ فيم؟
لا أدري ما الذي تفكر فيه أبدا، فكـِّر


أظن أننا في زقاق الجرذان
أين فقد الموتى عظامهم.

ما هذه الضجة؟
نواح الريح تحت الباب
ما هذه الضجة الآن؟ ماذا تفعل الريح ؟
لا شيء، مرة أخرى، لا شيء.
ألا..
تعلم شيئا، ألا ترى شيئا، ألا تذكر شيئا؟؟؟
أذكرُ
هذه اللآلئ التي كانت عينيه.
أأنت حي أم لا؟..
ألا شيء في خلدك؟
سوى...
آه تلك المعزوفة الشيكسبيرية الحديثة
أنيقة جدا
ذكية جدا
ماذا أفعل الآن؟ ماذا أفعل
سأُهرع خارجا في هيئتي هذه، أمشي في الشارع


وشعري مسدول إذن. ماذا نفعل غدا؟
ماذا نفعل سائرَ الأبد؟

حمام ساخن في العاشرة
وإذا أمطرت، سيارة مغلقة في الرابعة
سنلعب الشطرنج
نغمض أعينا بلا أجفان
وننتظر دقة على الباب.

*

عندما سُرِّح زوج ليل من الجيش، قلتُ لها
لم أداهنها، قلت لها بنفسي
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_
آلبرت عائد، تزيني قليلا
سيود أن يعرف ماذا فعلت بالنقود التي أعطاك إياها
لترّكبي طقم أسنان.
قد فعل والله، كنتُ هناك
قال لك "اقلعيها كلها يا ليل واتخذي طقما حسنا
فأنا لا أحتمل النظر إليك، أقسم على ذلك."
قلتُ، ولا أنا أستطيع،
فكري في آلبرت المسكين
قد قضى أربع سنوات في الجيش ويريد أن يستمتع بوقته
إن لم تسعديه، أخريات سيسعدنه قلتُ لها.


أخريات؟ أحقا؟
لربما .. قلتُ
عندها سأعرف من أشكر، قالت لي، وحدجتني بنظرة صريحة
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_
قلت ُ، إن لم يعجبك الأمر فسايريه،
آخرون يستطيعون الانتقاء والاختيار إن لم تستطيعي
إن غادرك ألبرت، فلسببٍ معلوم
حُقّ لك أن تخجلي من نفسك أنّك تبدين عتيقة هكذا
(ولمّا تعدُ الواحدة والثلاثين)

ليس في وُسعي شيء.. قالت.. وأطلت بوجه كئيب
إنها الحبوب التي تناولتها
لإسقاط الجنين
(لديها خمسة أطفال وكادت أن تموت لدى ولادتها جورج)
قال الصيدلي إنني سأكون بخير، لكنني ما عدتُ نفسي.
قلتُ، إنك حمقاء
إن لم يشأ آلبرت أن يتركك وشأنك، فكذلك ذلك...
لمَ تتزوجين إن لم تريدي أطفالا؟
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_
ذاك الأحد عاد آلبرت، أعدا حساء
ودعياني إلى العشاء لتناوله ساخنا
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا
- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا
عمتَ مساءً يا بل، عمتِ مساءً لُو. عمتِ مساء ماي.
عمت مساء تاتا.
عمتم مساء. عمتم مساء.
عمتن مساء سيداتي. سيداتي الحسناوات. عمتن مساء [4]



* *



الهوامش



الأحد، 22 يناير 2017

اﻷرض الخراب



للشاعر ت س إليوت

موعظة اللهب

(الجزء الثالث)


ترجمها عبد الهادي السايح


لقد تداعت خيمة النهر *

تتشبث الأوراق بأطراف أصابعها الأخيرة

ثم تغرق في ثرى الضفة الندي

تعبر الريحُ الأرضَ الغبراء في صمت

قد رحلت الحوريات

فانسب، يا نهر التايمز العذب، حتى أكمل أغنيتي [1]

النهر لا يحمل

القوارير الفارغة، ولا أوراق الشطائر أو مناديل الحرير،

لا يحمل علب الورق أو أعقاب السجائر

أو شيئا من آثار ليالي الصيف. قد رحلت الحوريات،

رحل أصدقاؤهن، وبقية باقية تلكأت من أعيان المدينة

رحلوا..

دون أن يتركوا عنوانا.

وجلست على ضفة بحيرة ليمان أبكي

انسب أيها النهر العذب حتى أكمل أغنيتي

انسب فلن أطيل الكلام، و لن أحدثك إلا همسا

تهب الريح خلفي

و في عصفةٍ باردة

تحمل إلى أذني قعقعة العظام، وضحكة خافتة تتردد في الأرجاء.



تسلل جرذ بين الأعشاب

ساحبا بطنه اللزج على ثرى الضفة

بينما كنت أصطاد في مياه القناة الراكدة

ذات مساء شتوي خلف معمل الغاز

متأملا... حطام سفينة أخي الملك

ومصرع أبي الملك من قبله..



..أجساد بيضاءُ عارية تفترش الأرض الرطبة

وعظام ملقاة في حجيرة العلية الجافة

لا تقعقع إلا لدى مرور الجرذ بقوائمه عليها،

عاما بعد عام.

وخلفي أسمع بين الحين و الحين [2]

أصوات الأبواق والمحركات

التي ستجلب سويتني إلى السيدة بوتر في الربيع. [3]

غمر القمر بإشراقته الساطعة

السيدة بوتر و ابنتها

وهما تغسلان رجليهما في ماء الصودا [4]

وهذه الأصوات أصوات الأطفال التي تصدح في القبة


توت توت توت

زق زق زق

بكل فظاعته

تيريو



مدينة الوهم،

تحت الضباب الأغبر ذات ظهيرة في الشتاء

دعاني

السيد يوجونيد، التاجر الإزميري

، اللحية طليقة والجيب مليء بالزبيب

والوثائق اللازمة في يده،

دعاني

برطانة فرنسية إلى الغذاء في فندق شارع كانون

وإلى قضاء نهاية الأسبوع معه في الحاضرة



في الساعة البنفسجية، عندما تتملص الأعين و الظهر من المكتب

عندما

تنتظر الآلة الآدمية

كسيارة الأجرة تخفق منتظرةً

أنا، تيريزياس، على الرغم من أنني أعمى

أضطرب بين حياتين،

أنا.. الرجل العجوز بنهدين متجعدين، أستطيع أن أرى في الساعة البنفسجية

ساعة المساء التي تكدح آئبة إلى المنزل،

التي تعيد الملاّح إلى بيته

والراقنة إلى دارها وقتَ تناول الشاي

تنظف بقايا فطورها الصباحي، تشعل الموقد

و تضع على المائدة طعاما معبأ في علب القصدير.

وعلى الحبل خارج النافذة انتشرت ملابسها بلا وجل

لتجفف لمسات أشعة الشمس الغاربة بللها.

وعلى الأريكة – و هي سريرها في الليل-

أكوامُ الجوارب و الخفاف و القمصان، و الألبسة النسوية

وأنا، تيريزياس، العجوز بنهدين متجعدين

أدركتُ القصة وتنبأت بالباقي.

كانت تترقب، وكنتُ أترقب أيضا، الضيفَ الموعود.

وها هو، ها قد وصل الشاب ذو القروح

مجرد موظف عند وكيل عقاري صغير، وله نظرة وقحة

أحد السفهاء ممن تكللهم الثقة

تكليل قبعةٍ حريريةٍ رأسَ مليونير من مدينة برادفورد

الوقت مناسب الآن في اعتقاده

فقد فرغا من الطعام وهي تعِبة يرهقها الضجر

يحاول ملاطفتها بلمسات لا تأباها إن لم ترضها

يهجم، وقد احمر وجهه واستقر قراره، مرة واحدة

بيدين تستكشفان فلا تلقيان دفاعا

لا يقتضي غروره تفاعلا

فالترحيب و التجاهل عنده سواء.


وأنا، تيريزياس عانيت، تنبأتُ بكل ما جرى على تلك الأريكة

أو السرير قبل حدوثه

أنا.. الذي جلستُ تحت أسوار مدينة طيبة

ومشيت بين أسفل السافلين في عالم الموتى



يمنحها قبلةَ متفضلٍ قبل أن ينصرف

متلمسا طريقه أسفل السلم في الظلام

تلتفت فتنظر إلى نفسها لحظةً في المرآة

وهي لا تكاد تشعر برحيل عشيقها

يدع ذهنها فكرة نصفَ مكتملة تمضي في سبيلها

" انتهى الأمر وأنا سعيدة أنه انتهى."

عندما تقع امرأة حسناءُ في الحماقة

ثم تخلو إلى نفسها فتتمشى وحيدة في غرفتها

تمسح على شعرها بحركة آلية

وتضع أسطوانة في الحاكي.



انساب ذاك اللحن فوق الماء، قربي

وعلى طول مجراه إلى شارع الملكة فكتوريا.

أيتها المدينة، أيتها المدينة

أحيانا أسمع، قرب حانة في شارع التايمز الأدنى

نحيبا دافئا لآلة المندولين

وقرعا وثرثرة في الداخل

حيث يتسكع الصيادون في الظهيرة،

حيث تحفظ جدران كنيسة الشهيد ماغنوس

سناءَ الذهب والبياض الأيوني المحيّر [5]



يعرقُ النهر زيتا و قارا. [6]

تنسابُ السفنُ والمدَّ المنسابَ

باتجاه الريح،

تنشّر أشرعتها حمراءَ عريضة

ترفرف على الصاري.

تكنس البوارجُ

الأخشابَ المنجرفة مع التيار

نحو شطآن غرينيتش

خلف جزيرة الكلاب

فويلا ويلا ويلا

ويلا ويلا ويلا

إليزابيث وليسستر

يجدفان في القارب

والكوثلُ محارة مذهّبة،

تختلط فيها الحمرة بلون الذهب

تموجات الماء الرشيقة تجتاح الشاطئين

رياحُ الجنوب

تحمل

إلى أسفل الجدول

رنين نواقيس

الأبراج البيضاء

فويلا ويلا ويلا

ويلا ويلا ويلا


حافلات وأشجار مغبرّة

هابري شهدت مولدي و أضاعتني ريشموند

وكيو،

قرب ريتشموند رفعت ركبتي

مستلقية على سطح قارب صغير

قدماي عند بوابة مور وقلبي تحت قدميّ

بكى بعد الحادث

ووعدني ببداية جديدة

لم أحر جوابا. ما الذي يمكن أن أستنكره؟

على رمال مارجيت

لا تستطيع أن تربط شيئا بشيء.

الأظافر المتكسرة في الأيدي المتسخة.

شعبي المتواضع، شعبي الذي لا يتوقع

شيئا..



ثم قدِمتُ إلى قرطاجة [7]




وهي تحترق و تحترق و تحترق

يا إلهي نجني منها

نجني يا إلهي




إنها تحترق




* * *
الهوامش

الأربعاء، 11 يناير 2017

ألفرد تنيسون، انكسر و انكسر و انكسر




انكسر و انكسر و انكسر
أيهذا البحر
على صخورك الشهباء الباردة
ليت لساني يسطيع مثلك أن يبسط
ما يجيش به فؤادي من فِكَر

طوبى لابن الصياد 
يلعب مع أُخيّته وقد تعالى صياحهما
واها لابن النوتي
يغني في قاربه الراسي بالخليج

تعبر السفن الجليلة
إلى مرفئها تحت التلة
آه ..لولا لمسة تلاشت .. ليد غائبة
و نغمة صوت قد صمت إلى اﻷبد

فانكسر و انكسر و انكسر
على أقدام صخورك المتكسرة أيهذا البحر
فما ناعم الهناء ليوم مضىى و تولى
بعائد إليَّ يوما


الخميس، 5 يناير 2017

مقتطف من لعبة شطرنج، قصيدة اﻷرض الخراب لإليوت




كان الكرسي الذي جلستْ عليه، كالعرش المنمق 

ينعكس ألقه على المرمر

حيث المرآة، تحملها أعمدة نقشت فيها 

كروم تتدلى عناقيدها

أطل منها ملاك ذهبي 

وآخرُ حجب عينيه بجناحه..

ضاعفت المرآة شُعَل

الشمعدان ذي الأغصان السبعة

انصب النور منها على المائدة

فتسامى بريق حليها ليلقاه

تسامى منسكبا من حقائب الحرير

وافرَ الألق وثيرَ الاندفاق...

من قواريرَ عاجيةٍ وزجاجيةٍ ملونة فاغرةِ الأفواه

فاحت عطورها الممزوجة

مرهمية ً، مسحوقة ً، سائلة ً، مضطربة ً ... حائرة

تـُغرق الحواس في الروائح، ينشرها الهواءُ

إذ يهب عليلا من النافذة.

تصاعدتْ

تنفخ شعلَ الشموع المتطاولة

قذفت بدخانها إلى السقف الخشبي

باعثة الحياة في أشكاله المنحوتة:

أعشاب بحرية ضخمة مشبعة بالنحاس

المصهور أخضرَ وبرتقالياً .. يحفه حجر ملون

وفي ذلك النور التعس يسبح دلفين منحوت.

وفوق الرف العتيق على المدفأة ..

، وكأن نافذة أشرعت على منظر في الغابة، كان مشهد

اغتصاب الملك البربري فيلوميلا 

بكل فظاظته.

وحتى هناك ملأ البلبل الصحراء بصوت لا ينتهك ...

و..بكت وبكت

ويتابع العالم، لا يزال،

" زق زق " لآذان قذرة.

حكت الجدران

أشكالا خشبية أخرى من الزمن،

أشكالا ذاوية،

تحدق، تبرز عن محيطها،

تميل

تطبق الصمتَ على الغرفة.

تـَردّدَ صدى خطى متثاقلة على السلم.

تحت وهج الموقد، تحت ملمس المشط

تطايرت خصلات شعرها

حبيباتِ سنا

توهجت كالكلمات

ثم غرقت في سكون موحش.

*