الأربعاء، 8 يوليو 2009

رياح الغرب بيرسي ب. شيلي



- ترجمة عبد الهادي السايح-

westwind
يا رياح الغرب العاتية
يا نفـَسَ الخريف، مـَن تفر من حضورها الشفاف
الأوراقُ الميتة ، كالأشباح من أمامِ ساحر..
صفراءَ، سوداءَ، شاحبة، حمراءَ متورمة
جموعٌ موبوءة .. يا من تقودينهم إلى مضجعهم الشتويِّ المظلم
بذورا مجنّحة، أين يرقدن في البرد و الثرى
كلٌّ كجثة في جدثها حتى
تنفخَ شقيقتك اللازوردية..بوقـــَها فوق الأرض الحالمة
لتبعث البراعمَ الناعمة كالقطعان إلى مرعى السماء
وتملأ الربى والسهولَ بالشذى والألوان الحية..
أيتها الروح الجامحة
التي تمضي إلى كل مكان..أيتها الحاطـِمة و النافعة
اسمعي .. اسمعي
* *
أنتِ يا من
تسري في جدولك الغيومُ الطليقة
وسـْط اضطراب السماء الشاهقة
سيرَ الأوراق البالية على الأرض
فتهتزَّ أغصانُ السماءِ والمحيطاتِ المتشابكةُ
وتنتشرَ ملائكةُ المطر والبرقِ
هناك
على حافة هبّتـِك الزرقاء،
كالشعر الوضاء المنتصب من رأس معنادية¹ متوحشة،
أو من حافة الأفق الباهتة إلى أعلى المدى..
خصلات العاصفة المقتربة
يا أغنيةً حزينةً تنعى السنة المحتضَرة..التي ستكون هذه الليلةُ الأخيرةُ
قبةَ ضريحها المسوّرةَ بكل قواك مجتمعةً : أبخرة
ينفجر من مزاجها القاسي المطرُ الأسود والنار والبرَد
اسمعي ..
* *
يا من أيقظتِ بحرَ الروم² الأزرق من أحلامه
حيث يرقد تهدهده الجداول البلورية الملتفّة
قرب جزيرة زجاجية هشة في خليج باي³
قد رأى في حلمه القصور القديمة
والأبراج ترتجف في صفحة الموج حين اضطرابهِ
تعلوها الطحالب
اللازوردية و الأزهار ، جمال يكاد الحس يعجز عن وصفه..
يا من تتشقق صفحة الأطلسي المستوية وتنقسم إلى صدوع
لعبورها ..
وفي الأعماق حيث براعم البحر والغابات اللزجة
المكتسية حلةً من الأوراق غيرِ الخضراء، تعرف صوتك
فترجف و تشحب فجأة من الرعب ناضية ألقها
اسمعي ..
* *
لو كنتُ ورقة ميتة تحملينها
أو غيمة رشيقة تجاريك..
لو كنتُ موجة تلهث تحت جبروتك، وتشاركك نبض قوتكِ
وإن كانت أقل حرية منك ، يا من لا تجارَينَ في الجموح
أو لو كنتُ، مثلما كنتُ في صباي
، أيامَ لم يـُخيَّل لي التفوقُ على تلك السرعة السماوية رؤيا أو أشبه،
أقدِرُ أن أكون رفيق تجَوالك في الآفاق..
ما كنتُ أبتهل إليكِ كابتهالي في صلاتي هذه ، في حاجتي الماسة وبلواي..
احمليني مثلما موجةٍ ، ورقةٍ أو غيمة
فإني أتعثر فوق أشواك الحياة .. إني أنزف،
قد أثقلت الأيام وحنت هامة امرئ كان يوما مثلك
شامخا، نشطا، شَموساً لا يهاب
* *
اجعليني ربابتك مثلما جعلتِ الغابة
ماذا لو كانت أوراقي تتساقط كأوراقها
ستستعير جلبة إيقاعاتك الصاخبة من كلينا
نغمةً خريفية عذبة حزينة
كوني يا روحاً جبارةً روحي
كوني إياي
يا طائشةً قلقة
و انشري خواطري الميتة في أرجاء العالم
مثل الأوراق الذابلة لتعجّلي بميلادٍ جديد..
وبسحر هذا الشعر ، بعثري كلماتي
،كالرماد وشرار النار من موقد مسجور،
بعثريها بين الناس،
كوني، انطلقي من شفتيَّ
مزمارَ نبوءةٍ إلى أرض تغط في النوم
أيتها الريح..
إن جاء الشتاء
أيبقى الربيعُ بعيدا خلفه؟

* *



النص المترجم:


* *
¹ maenad، في الخرافات الإغريقية القديمة، نساء يزعم أنهن حاشية إله الخمر، يرمزن للنشوة



والطقوس الجنونية الغريبة.



² بحر الروم، البحر الأبيض المتوسط.



³ موضع في إيطاليا فيه بعض الآثار الرومانية الغارقة.
عن ب. شيلي:
أحد أبرز الشعراء الإنكليز، ولد عام 1792.
التحق بجامعة أوكسفود عام 1810م غير أنه طرد منها في سنته الأولى فغادر إلى اسكتلندا ثمّ إلى سويسرا عام 1814م، مع ماري غودوين زوجته التي كتبت فيما بعد الرواية الخيالية الشهيرة "فرانكستاين"،
كان رفيقه في المنفى الاختياري صديقه الشاعر ذائع الصيت لورد بايرن الذي عرف بنشاطه السياسي أيضا،
بتأثير مباشر من بايرن كتب شالي أولى قصائده الجيدة "نشيد إلى الجمال المعنوي"، عاد الشاعر إلى إنكلترا بعد سنة من رحيله عنها ليستقر في لندن ويكتب بعض القصائد التي لم تلق صدى يذكر في الأوساط الأدبية وإن أُقـِر فيما بعد أن بعضها باكورة أعماله المتميزة،
غادر موطنه مرة أخرى إلى إيطاليا عام 1818م حيث عاش متنقلا وأسرته من مدينة إلى أخرى،
كانت الفترة الإيطالية الأغزر إنتاجا في حياته الشعرية القصيرة، والأكثر إزعاجا للنظام السياسي الإنكليزي، تعرّض فيها إلى محاولات اغتيال عدة
انتهت رحلته بغرق مركبه في ظروف غامضة سنة 1822.
من أهم قصائده: أوزيماندياس، رياح الغرب، إلى قُبَّرة، قناع الفوضى.

0 التعليقات :

إرسال تعليق